للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرؤية يجوز تعلقها بكلِّ (١) موجود، فيصح إحساس كل موجود، فما لا يمكن إحساسه يكون معدومًا، ومنهم من طرَّد ذلك في اللمس، ومنهم من طرده في سائر الحواس، كما فعله طائفة من متكلمة الصفاتية (٢) الأشعرية وغيرهم.

والمقصود هنا أن أولئك المشركين المناظرين قالوا كلامًا مجملًا، فجعلوا الخاص عامًّا، والمعين مطلقًا، حيث قالوا: أنت لم تحسه وما لم تحسه أنت لا يكون موجودًا، والمقدمة الثَّانية باطلة لكن موهوها بالمعنى الصَّحيح، وهو أن ما لا يمكن (٣) إحساسه بحال لا يكون موجودًا، فناظرهم المناظرون من الصابئية (٤)، والمقتدى بهم جهم وأصحابه في هذه المقدمة، حتَّى أنكروا الحق الذي عليه أولئك الذين موهوه بالباطل، وزعم هؤلاء أنَّه قد يكون موجودًا ما لا يمكن إحساسه بحال في وقت من الأوقات لشيء من الموجودات، وزعموا أن الروح كذلك، ثم أخذوا هذه المقدمة الباطلة التي نازعوا فيها أولئك المشركين، فنازعوا فيها إخوانهم المؤمنين، فصاروا مجادلين للمؤمنين بمثل ما جادلوا به المشركين، كمن (٥) قاتل المؤمنين كما قاتل المشركين زعمًا منه أنَّه إن لم يقاتل ذلك القتال استولى عليه المشركون، كما زعم هؤلاء أنهم إن لم يناظروا المشركين هذه المناظرة استعلى عليهم المشركون، وانقطعت حجة المؤمنين في المناظرة، وصاروا عاجزين في النظر والمناظرة، إذ لم يجدوا بزعمهم طريقًا إلَّا هذه الطريق المبتدعة


(١) في الأصل: "بغير". والمثبت من: س، ط.
(٢) في ط: "الصفائية".
وسوف يعرف بهم الشَّيخ -رحمه الله- فيما بعد. راجع ص: ٢٧٠.
(٣) في الأصل: "ما لم يكن". والمثبت من: س، ط.
(٤) في ط: "الصابئة".
(٥) في س: "لمن".

<<  <  ج: ص:  >  >>