للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إنها ليست من جنس هذه الأعراض القائمة بالمخلوقين، فلا يجب أن يحكم فيها بحكمها.

الوجه الثامن والخمسون:

أن قوله (١): الرب واحد ومتصف بالواحدانية متقدس عن التجزيء والتبعيض والتعدد والتركيب والتأليف، يستحيل قيام أصوات متضادة بذات موصوفة بحقيقة الواحدانية.

يقال له: هذا يلزمك في سائر الصفات فإن الذات التي لا يتميز في العلم منها شيء من شيء يمتنع أن يقوم بها صفات كالعلم والقدرة والحياة والسمع والبصر، إذ ذلك يوجب من التعدد والتركيب والتأليف والتجزيء والتبعيض نظير ما نفاه، وهو من حجة نفاة الصفات عليه.

ولما قال له مخالفه: لا نعقل الحياة والعلم والقدرة يقوم إلا بجسم، ولا نعقل (٢) اليد والوجه إلا بعضًا من جسم.

قال: لا يجب هذا، كما لا يجب إذا لم نعقل حيًّا عالمًا قادرًا، إلا جسمًا أن يكون الغائب كذلك، فألزم مخالفه إثباته لحي عالم قادر في متصف بهذه الوحدة التي وافق خصمه عليها.

ومعلوم أن هذا كله في مخالفة صريح العقل سواء، فكونه لا يتميز منه شيء من شيء يأبى أن يكون حيًّا عالمًا قادرًا، إذ هذه الأشياء مستلزمة لمعاني يتميز بعضها عن بعض، بل يأبى ثبوت موجود مطلقًا سواء كان قديمًا أو حادثًا، إذ لا بد للوجود من أمور متميزة فيه، وذلك مستلزم لثبوت ما نفاه، فهذا التوحيد الذي ابتدعوه هو التعطيل المحض وهو تشبيه الباري بالمعدومات.


(١) أورده الشيخ -رحمه الله- بتصرف يسير.
(٢) في س، ط: يعقل.

<<  <  ج: ص:  >  >>