للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الصفات والتكذيب بالقدر، ووافقتموهم على أن منها نفي كثير من الصفات، وأنتم لم تثبتوا القدر حتى أبطلتم ما في أمر الله ونهيه، بل [ما] (١) في خلقه وأمره من الحكم والمصالح والمناسبات، وزعمتم أن الرد على القدرية لا يتم إلا بنفي تحسين العقل وتقبيحه مطلقًا، وأن تجعل الأفعال كلها سواء في أنفسها لا فرق في نفس الأمر بين الصلاة والزنا إلا من جهة تحكم (٢) الشارع بإيجاب أحدهما وتحريم الآخر، فصار قولكم مدرجة إلى فساد الدين والشريعة، وذلك أعظم فسادًا من التكذيب بالقدر، وقد بينا في غير هذا الموضع (٣) أن القرآن ضرب الله فيه الأمثال، وهي المقاييس العقلية التي يثبت بها ما يخبر به من أصول الدين، كالتوحيد وتصديق الرسل وإمكان المعاد، وأن ذلك مذكور في القرآن على أكمل الوجوه، وأن عامة ما يثبته النظار من المتكلمين والمتفلسفة في هذا الباب يأتى القرآن بخلاصته وبما هو أحسن منه على أتم الوجوه، بل لا نسبة بينهما لعظم التفاوت.

ومعلوم أن هذا أمر عظيم، وخطب جسيم، فإنكم والمعتزلة تثبتون كثيرًا مما (٤) يثبتونه من أصول الدين بطرق ضعيفة أو فاسدة، مع ما يتضمن ذلك من التكذيب بكثير من أصول الدين، وحقيقة قولهم الذي وافقتموهم عليه: أنه لا يمكن تصديق الرسول في بعض ما أخبر به إلا بتكذيبه في شيء مما أخبر به، فلا يمكن الإيمان بالكتاب كله، بل يكفر


(١) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط.
(٢) في ط: حكم.
(٣) انظر: مجموع الفتاوى- ٢/ ٤٦، ٤٧، ١٢/ ٨١، ٨٢، حيث بين -رحمه الله- أن في القرآن من بيان أصول الدين التي تعلم مقدماتها بالعقل الصريح ما لا يوجد مثله في كلام أحد من الناس، بل عامة ما يأتي به حذاق النظار من الأدلة العقلية يأتي القرآن بخلاصتها، وبما هو أحسن منها.
(٤) في الأصل، س: ما. والمثبت من: ط. ولعله المناسب.

<<  <  ج: ص:  >  >>