للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولهذا لم يكن لهم حجة على ذلك إلَّا ما ادعوه (١) من إمكان وجود معنى خبر بدون العلم والاعتقاد والظن في حق المخلوق، وهو الخبر الكاذب، فقدروا أن الإنسان يخبر بخبر هو فيه كاذب، وذلك يكون مع علمه بخلاف المخبر، كما قدروا أن يأمر أمر امتحان (٢) بما لا يريده، ثم ادعوا أن هذا الخبر له حكم ذهني في النَّفس غير الإرادة، وهذه الحجة قد نوزعوا في صحتها نزاعًا عظيمًا ليست هي مثل ما أمكن إثباته في حق الله من وجود آمر لم يرد وقوع مأموره.

الوجه السادس عشر:

أن هذه الحجة التي ذكروها في معنى الخبر وأنه غير العلم، قد أقروا هم بفسادها (٣)، فإنَّه قد تقدم لفظ الرازي في هذه الحجة بقوله (٤):

وأمَّا شبيه معنى الأمر والنهي بالإرادة والكراهة، ومعنى الخبر بالعلم، والأول: باطل لما ثبت في خلق الأفعال وإرادة الكائنات أن الله قد يأمر بما لا يريد وينهى عما يريد، فوجب أن يكون معنى "افعل" و "لا تفعل" في حق الله شيئًا سوى الإرادة، وذلك هو معنى الكلام.

والثاني: باطل لأنَّه في الشاهد قد يحكم الإنسان بما لا يعلمه ولا يعتقده ولا يظنه، فإذن الحكم الذهني في الشاهد مغاير لهذه الأمور، وإذا ثبت ذلك في الشاهد ثبت في الغائب لانعقاد الإجماع على أن ماهية الخبر لا تختلف في الشاهد والغائب.

وهذا هو الأصل الذي اعتمد عليه في محصوله -أيضًا- حيث جعل


(١) في س، ط: ادعاه.
(٢) في ط: آمر امتحانًا.
(٣) في س، ط: أيضًا بفسادها.
(٤) قول الرازي تقدم في ص: ٦٠٣، وأورده الشَّيخ هنا بتصرف يسير واختلاف في بعض الألفاظ.

<<  <  ج: ص:  >  >>