القرون الثلاثة: السادس والسابع والثامن، كما يقول الشَّيخ أبو زهرة:"امتازت بكثرة العلم، لا بكثرة الفكر، فقد كانت المعلومات كثيرة جدًّا وتحصيلها كان بقدر عظيم، وعكوف النَّاس عليها كان كبيرًا، ولكن التفكير المطلق في مصادرها ومواردها، والمقايسة بين صحيح الآراء وسقيمها مقايسة حرة من التعصب الفكري، والتحيز المذهبي، لم يكن بقدر يتناسب مع تلك الثروة المثرية التي توارثتها الأجيال، فقد كانوا يتلقونها ويستحفظون عليها، ولكن لا يقدرونها حق قدرها بالنظر الفاحص المجرد، أو النظر الذي يعم كل الجوانب، لا ينحاز إلى جانب من الجوانب وينظر من زاويته دون ما سواه. فجاء ابن تيمية وفكر في هذه الثروة، ونظر إليها من كل جوانبها"(١).
ولعل من المفيد أن نذكر بعض المدارس التي كان نشاطها ظاهرًا في تلك الفترة، وكانت من العوامل التي ساعدت على طلب العلم وتحصيله إضافة إلى الموسوعات العلمية الكبيرة، وخزائن الكتب المتفرقة في البلاد الإسلامية، وخصوصًا في مصر والشام، والرجال الذين وقفوا أنفسهم على شرح الكتب المتوارثة وتوضحيها وردها إلى مصادرها الأولى.
فمن المدارس المشهورة التي قصدها طلاب العلم بمصر:
١ - المدرسة الكاملية، نسبة إلى الملك الكامل، وقد أنشئت سنة ٦٢٢ هـ وتعد الدار الثَّانية للحديث بعد المدرسة العادلية الكبرى بدمشق.
٢ - المدرسة الظاهرية: وتنسب إلى الظاهر بيبرس، بدأ في عمارتها سنة ٦٦٠ هـ، وفرغ منها سنة ٦٦٢ هـ، وقد أنشأ بها خزانة كتب تشتمل على أمهات الكتب في سائر العلوم، ودرس بها جماعة من العلماء.
٣ - المدرسة المنصورية: نسبة إلى الملك المنصور قلاوون، وقد رتب بها أربعة دروس لطوائف الفقهاء الأربعة، ودرسًا للطب، وكان المدرسون
(١) ابن تيمية- حياته وعصره وآراؤه وفقهه -لأبي زهرة- ص: ١٥٦.