للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن كان أرادوا الأول، وهو الذي حكاه عنهم طائفة (١) من أهل المقالات، حيث ذكروا عن السمنية أنهم ينكرون من العلوم ما سوى الحسيات، فينكرون المتواترات (٢) والمجربات والضروريات العقلية، وغير ذلك، إلَّا أن هذه الحكاية لا تصح على إطلاقها من جميع العقلاء (٣) في مدينة أو قرية، وما ذكر (٤) من مناظرة الجهم لهم يدل على إقرارهم بغير ذلك، وذلك أن حياة بني آدم وعيشهم في الدنيا لا يتم إلّا (٥) بمعاونة (٦) بعضهم لبعض في الأقوال، أخبارها وغير أخبارها، ودي الأعمال -أيضًا- فالرجل منهم لا بد أن يقرّ أنَّه مولود، وأن له أبًا وطئ أمه، وأمًّا ولدته وهو لم يبيح بشيء من ذلك من حواسه الخمس، بل أخبر بذلك، ووجد في قلبه ميلًا إلى ما أخبر به، وكذلك علمه بسائر أقاربه من الأعمام والأخوال والأجداد، وغير ذلك، وليس في بني آدم أمة تنكر الإقرار بهذا، وكذلك لا ينكر أحد من بني آدم أنَّه ولد صغيرًا، وأنه ربي بالتغذية والحضانة، ونحو ذلك حتَّى كبر، وهو إذا كبر لم يذكر إحساسه بذلك قبل تميزه، بل لا ينكر طائفة من بني آدم أمورهم الباطنة مثل جوع أحدهم، وشبعه (٧)، ولذته، وألمه، ورضاه، وغضبه، وحبه وبغضه، وغير ذلك ممَّا لم يشعر به بحواسه الخمس الظاهرة، بل يعلمون أن غير [هم من] (٨) بني آدم يصيبهم ذلك،


(١) كعبد القاهر البغدادي في الفرق بين الفرق ص: ٢٧٠ - ٢٧١. وأبي المظفر الإسفراييني في التبصير في الدين ص: ١٤٩.
(٢) في س: "المتواتر".
(٣) في س، ط: "عن جمع من العقلاء".
(٤) في س، ط: "ذكره".
(٥) في س: "لا".
(٦) في الأصل: "بمهاونة" وهو تصحيف. والمثبت من: س، ط.
(٧) في الأصل: "شبعته".
(٨) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط.

<<  <  ج: ص:  >  >>