للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كذلك فالذين نقلوا عن الأنبياء - عليهم السلام - أن الله يتكلم ويأمر وينهى، والذين أجمعوا على ذلك، إذا لم يذكر أحد منهم أنَّه أراد هذا المعنى الخفي المشكل الَّذي ليس يتصور بحال، أو لا يتصور إلا بشدة عظيمة، لم يجز أن يقال: إنهم كانوا متفقين على نقل هذا المعنى والإجماع عليه، ولم يجز أن يقال: إنهم أجمعوا على ثبوت معنى لا يفهمونه، ونقلوا عن الأنبياء -عليهم السلام- أن الله تعالى يتكلم ويقول، وهم لا يفهمون معنى لفظ الكلام والقول، فإن هذا -أيضًا- معلوم الفساد بالضرورة.

وإذا بطل القسمان (١)، علم أن الَّذي انعقد عليه الإجماع، ونقله أهل التواتر عن المرسلين، هو الكلام الَّذي تسميه الخاصة والعامة كلامًا، دون هذا المعنى، والله - سبحانه - أعلم.

وهذا بين واضح يدل على فساد مذهب المخالف، وعلى صحة مذهب أهل السنة، وبمثل هذا الوجه - يبطل -أيضًا- مذهب الجهمية من المعتزلة (٢) ونحوهم، فإن كون الكلام يكون منفصلًا عن المتكلم قائمًا بغيره، مما لا تعرف العامة والخاصة أنَّه يكون كلامًا للمتكلم، وإن أثبت ذلك فإنما يثبت بأدلة خفية (٣) مشكلة.

وإذا كان أهل التواتر نقلوا أن الله تكلم بالقرآن، وأجمع المسلمون


(١) وهما: الاتفاق على نقل معنى خفي مشكل لا يتصور بحال، أو يتصور بشدة عظيمة وأدلة خفية.
والقسم الآخر: الإجماع على ثبوت معنى لا يفهمونه، وكلاهما باطل كما ذكر الشيخ -رحمه الله.
(٢) المعتزلة لهم رأي شاذ في مسألة كلام الله تعالى، ولمعرفة أقوالهم بالتفصيل، ومناقشتها وبيان بطلانها تراجع الدراسة لأهم مسائل هذا الكتاب وذكره هناك يغني عن الإعادة هنا.
(٣) في س: حقية. وهو تصحيف.

<<  <  ج: ص:  >  >>