للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النفوذ والجاه، فقد اتخذت من ضعف البلاد، وما حققته من انتصارات على الصليبين والتتار مبررًا يبيح لها ما تستولي عليه من أموال الدولة.

طبقة العلماء والفقهاء: وقد كان البعض منهم يعتمدون الوظائف التي تسند إليهم، فهم في عيش رغيد لما يقومون به من خدمة السلاطين، وتنفيذ غاياتهم، وتحقيق مآربهم (١).

لكن هذا لا ينطبق على البعض الآخرى كابن تيمية -رحمه الله- فقد رأينا كيف كان يقف في وجه السلطان بمصر ويطلب منه التوجه إلى دمشق وحماية أهلها، وإلا أقيم سلطان آخر يحميها، ورأينا كيف وقف في وجه قازان، وكلامه له بقوة وشدة، حتَّى عاد نفع ذلك على المسلمين.

فالشيخ -رحمه الله- لم يكن ممن يمد يده ليأخذ، ولا ممن يذل نفسه ليطلب، بل كانت له اليد الطولى على أولئك السلاطين، لما بذله من حث الناس على الجهاد وتهدئة فزعهم (٢)، ولمشاركته الفعالة في الجهاد -كما مر- إضافة إلى علوه عليهم بما حباه المغربه من علم غزير دفعه إليه الحرص على إصلاح المجتمع والتزامه بتعاليم الكتاب والسنة عقيدة ومنهجًا وسلوكًا.

والطبقة الثالثة: عامة الشعب، كالتجار والزراع والصناع وغيرهم، وهؤلاء لاقوا العنت والظلم، وعدم وصول أحدهم إلى ثمرة جهده وعمله، وقد وقف العلماء والفقهاء مع هؤلاء، ومنهم الشَّيخ -رحمه الله- لرفع الحيف عنهم، وتوجيه الطبقة الحاكمة إلى ما يعود عليهم بالنفع، ويدفع عنهم الأذى (٣).


(١) انظر: حسن المحاضرة -للسيوطي- ٢/ ٩٧.
(٢) يذكر ابن كثير في حوادث سنة ٦٩٩ هـ أن التتار لما هزموا جيش الناصر بن قلاوون، وأصبحوا على أبواب دمشق ذعر الناس، وفر كثير من العلماء، حتى صار البلد شاغرًا من الحكام، لكن عالمًا واحدًا بقي مع العامة ولم يفر ولم يخرج ذلك هو ابن تيمية.
انظر: البداية والنهاية- ١٤/ ٧.
(٣) انظر: ابن تيمية حياته وعصره وآراؤه وفقهه -لأبي زهرة- ص: ١٤٨ - ١٥٣.
ومنطق ابن تيمية ومنهجه الفكري- د. محمد حسني الزيني- ص: ٢٢، ٢٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>