للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبإخوته إلى الشام -عند ظهور التتار- فقدموا دمشق، ونشأ بها نشأة صالحة، وأنبته الله نباتًا حسنًا، وكانت ملامح النجابة ظاهرة عليه في صغره، وختم القرآن الكريم صغيرًا، ثم اشتغل بحفظ الحديث والفقه والعربية، حتَّى برع في ذلك، مع ملازمته لمجالس الذكر وسماع الأحاديث والآثار، فسمع دواوين الإسلام الكبار، كصحيح البُخاريّ ومسلم وسنن أبي داود والترمذي والنَّسائيُّ وابن ماجه والدارقطني، ومسند الإمام أحمد مرات عدة، وأول كتاب حفظه في الحديث "الجمع بين الصحيحين" للإمام الحميدي (١).

يقول ابن عبد الهادي -بعد ذكره لعناية الشَّيخ -رحمه الله- بالحديث والفقه والعربية: "وأنه تأمل كتاب سيبويه حتَّى فهم النحو، وأقبل على التفسير إقبالًا كليًّا حتَّى حاز فيه قصب السبق، وأحكم أصول الفقه وغير ذلك.

"وهذا كله وهو بعد ابن بضع عشرة سنة، فانبهر أهل دمشق من فرط ذكائه، وسيلان ذهنه، وقوة حافظته، وسرعة إدراكه" (٢).

ونقل ابن عبد الهادي عن الحافظ أبي عبد الله الذهبي أنَّه قال: "نشأ -يعني الشَّيخ تقي الدين -رحمه الله- في تصون تام، وعفاف وتأله وتعبد، واقتصاد في الملبس والمأكل، وكان يحضر المدارس والمحافل في صغره، ويناظر ويفحم الكبار ويأتي بما يتحير منه أعيان البلد في العلم، فأفتى وله تسع عشرة سنة، بل أقل، وشرع في الجمع والتأليف من ذلك الوقت، وأكب على الاشتغال، ومات والده -وكان من كبار الحنابلة وأئمتهم- فدرس بعده بوظائفه، وله إحدى وعشرون سنة، واشتهر أمره، وبعد صيته في العالم، وأخذ في تفسير الكتاب العزيز في الجمع على كرسي من حفظه، فكان يورد المجلس ولا يتلعثم، وكذا كان الدرس بتؤدة وصوت جهوري فصيح" (٣).

ولم يزل في ازدياد من العلوم والاشتغال بها، وبث العلم ونشره،


(١) انظر: الأعلام العلية -لأبي حفص البزار- ص: ٢١، ٢٢.
(٢) انظر: العقود الدرية -لابن عبد الهادي- ص: ٣.
(٣) راجع: العقود الدرية -لابن عبد الهادي- ص: ٤، ٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>