يقول ابن كثير: قال البيهقي: ولم يكن في الخلفاء قبله من بني أميَّة وبني العباس خليفة إلَّا على مذهب السلف ومنهاجهم، فلما ولي هو الخلافة اجتمع به هؤلاء فحملوه على ذلك وزينوا له. وفي سنة ٢١٨ هـ كتب إلى نائبه ببغداد إسحاق بن إبراهيم بن مصعب يأمره أن يمتحن القضاة والمحدثين بالقول بخلق القرآن، وأن يرسل إليه جماعة منهم -عينهم المأمون- فامتحنهم المأمون بخلق القرآن فأجابوا إلى ذلك، وأظهروا موافقته وهم كارهون، فردهم إلى بغداد وأمر بإشهار أمرهم بين الفقهاء ففعل نائبه ذلك، ووقعت فتنة عظيمة بين النَّاس. ثم أرسل المأمون إلى نائبه كتابًا آخر أمره فيه أن يمتحن جماعة أخرى منهم الإمام أحمد -رحمه الله- من أجاب منهم ترك ومن امتنع فليرسل مقيدًا بالحديد محتفظًا به، وكان ممن امتنع عن القول بخلق القرآن الإمام أحمد، ومحمد بن نوح، فأرسلا إلى المأمون وقبل أن يصلا إليه بمرحلة جاء خبر وفاته، ثم ولي الخلافة المعتصم، وقد انضم إليه أحمد بن أبي دؤاد، فردا إلى بغداد ومات محمد بن نوح في الطريق، وأدخل الإمام أحمد السجن، نحوًا من ثمانية وعشرين شهرًا، وقيل نيفًا وثلاثين شهرًا، ثم أخرج وضرب -رحمه الله- بين يدي المعتصم، بعد مناظرة بينه وبين قضاة المعتصم وبعض الفقهاء، واستمر الأمر في خلافة الواثق، وكان ممن يقول بخلق القرآن، وقتل محمد بن نصر وجماعة معه بسبب ذلك، إلى أن ولي المتوكل وكان من خيار الخلفاء لأنَّه أحسن الصنيع لأهل السنة، فأكرم الإمام أحمد ورفع المحنة عن النَّاس وكتب إلى الآفاق بعدم القول بخلق القرآن، وقد أورد المؤرخون هذه المحنة مفصلة ومطولة اكتفيت بمجملها هنا، وانظر ما كتبته عنها في القسم الخاص بالدراسة. وصبر الإمام أحمد في هذه المحنة وثبوته على دفع هذا القول ثبوتًا لم يثبته غيره لئلا يتطرق إلى القرآن ما يمحو تعظيمه من النفوس ويخرجه عن الإضافة إلى الله تعالى. راجع: تاريخ الطبري ٨/ ٦٣١ فما بعدها. والكامل -لابن الأثير ٦/ ٤٢٣ فما بعدها، ٧/ ٢٠ فما بعدها. والبداية والنهاية -لابن كثير ١٠/ ٣٠٨ - ٣١٠، ٣٤٣ - ٣٤٧، ٣٧٤ - ٣٨٠.