للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويتلو عليهم آيات الصبر والجهاد، ويجتمع بنواب قازان -بعد رجوعه- لتخليص أسرى المسلمين، وقد فك أسر كثير منهم بسبب جهوده -رحمه الله-.

وفي سنة ٧٠٠ هـ جاءت الأخبار بقصد التتار بلاد الشام، ففزع النَّاس، وشرعوا في الهروب من تلك الديار، لكن الشَّيخ -رحمه الله- حرضهم على البقاء والمدافعة بالغالي والرخيص، وذكرهم بفضل الجهاد، وكلما اقترب التتار من دمشق زاد فزع النَّاس واضطرابهم وهروب البعض منهم، خصوصًا بعد رجوع السلطان الناصر وعساكره إلى مصر من عرض الطريق، وكان خرج منها إلى الشام لمساعدة أهلها، ممَّا جعل الشَّيخ -وبطلب من نائب دمشق- يتوجه إلى مصر بالبريد لحث السلطان على حماية دمشق، إن كانت لهم بهم حاجة.

وقال لهم فيما قال: "إن كنتم أعرضتم عن الشام وحمايته أقمنا له سلطانًا يحوطه ويحميه، ويستغله في زمن الأمن".

ولم يزل الشَّيخ تقي الدين بهم حتَّى خرجت العساكر من مصر إلى الشام، وحثهم على الجهاد ووعدهم بالنصر المؤزر، لكن ملك التتار أحس بضعف جيشه فرجع، وكفى الله المسلمين شرهم (١).

وفي سنة ٧٠٢ هـ وردت الأخبار بعزم التتار على غزو الشام، ففزع النَّاس -كما هي حالهم في كل مرَّة- وقدموا فعلًا إلى الشام، وجاءت العساكر المصرية، وخرج الشَّيخ إلى العسكر، واجتمع بهم ووعدهم النصر وحث الأمراء على الصبر ومواصلة الجهاد وعدم التخاذل، ووقعت معركة "شقحب" (٢) وشارك الشَّيخ -رحمه الله- فيها مشاركة فعلية بعد أن كاد يدب اليأس إلى قلوب النَّاس، وبدأت مظاهر التفرق فيهم، وأفتى -رحمه الله- بفطر النَّاس مدة قتالهم، وأفطر هو -أيضًا- فانتصر المسلمون -بحمد الله-


(١) المصدر السابق ١٤/ ١٣ - ١٥، والعقود الدرية لابن عبد الهادي- ص: ١١٩.
(٢) شقحب: عين ماء جنوب دمشق بعد الكسوة على يمين المذاهب إلى حوران، وهي الآن مزرعة تبعد أربعين كلم عن دمشق.
انظر: ترجمة شيخ الإسلام ابن تيمية -محمد كرد علي،- ص: ٢٣ ت (١).

<<  <  ج: ص:  >  >>