للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والمرتبة الخامسة: أنهم يسجدون إذا سمعوا كلامه وأمره وإذنه، لم يطيقوا فهمه ابتداء، بل خضعت وفزعت وضربت بأجنحتها وصعقت وسجدت، فإذا فزع عن قلوبهم فجلى عنهم الفزع {قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} (١)، فهذا (٢) حالهم عند (٣) تكلمه بالوحي، وأما وحي كلامه الَّذي يبعث به رسله، كما أنزل القرآن، وأما أمره الَّذي يقضي به من أمر بكونه، فذلك حاصل في أمر التشريع وأمر التكوين، ولهذا قال سبحانه {وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إلا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ} (٢) و (حتَّى) حرف غاية يكون ما بعدها داخلًا فيما قبلها، ليست بمنزلة (إلى) التي قد يكون ما بعدها خارجًا عما قبلها، كما في قوله: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى الْلَّيلِ} (٤)، وهي سواء كانت حرف عطف أو حرف جر تتضمن (٥) ذلك، وما بعدها يكون النهاية التي ينبه بها على ما قبلها فتقول: قدم الحجاج (٦) حتَّى المشاة، فقدوم المشاة تنبيه على قدوم الركاب، وتقول: أكلت السمكة حتَّى رأسها، فأكل رأسها تنبيه على غيره، فإن أكل رؤوس السمك قد يبقى (٧) في العادة.

وهذه الآية أخبر فيها - سبحانه - أنَّه ليس لغير ملك ولا شرك في الملك، ولا معاونة ولا شفاعة إلّا بعد إذنه، فقال تعالى: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ (٢٢) وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إلا لِمَنْ


(١) سورة سبأ، الآية: ٢٣.
(٢) في س، ط: فهذه.
(٣) في س: عن.
(٤) سورة البقرة، الآية: ١٨٧.
(٥) في الأصل، س: يتضمن. والمثبت من: ط.
(٦) في س: الحاج.
(٧) في الأصل: ينفي. والمثبت من: س، ط.

<<  <  ج: ص:  >  >>