للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذلك لأجل اختلاف الأصوات، وكذلك لا يمكننا أن نستحضر في قلوبنا المعاني الكثيرة في الوقت الواحد في الزمن الواحد، سواء كانت مختلفة أو متماثلة، وإن قدرنا أن نجمع من المعاني في قلوبنا ما لا نقدر على أن نجمع لفظه من الأصوات، فلا ريب أن القلب أوسع من الجسد لكن لا بد أن يجد كل أحد نفسه يمتنع أن يجتمع فيها معاني كثيرة في وقت واحد، كما يمتنع أن يجمع (١) بين صوتين في محل واحد، وقياس الأصوات بالمعاني وهي مطابقة لها وقوالب (٢) لها أجود من قياسها بالألوان، وما ألزموه في -المعاني من أنها معنى واحد (٣) هو الأمر والنهي والخبر ليس في مخالفته لبديهة العقول بدون أن يقال (٤) يكون حرفًا واحد هو الباء والسين، وإذا لم يقل هذا وهو نظيره، فلا ريب أن القول بجواز اجتماعهما في المحل الواحد أقرب إلى المعقول من كون الأمر هو النهي وهما الخبر، فالقول باجتماع الصفتين المتضادتين في محل واحد أقرب من القول بأن إحداهما الأخرى، ومن قال الكلام هو الأمر والنهي والخبر وأنها كلها مجتمعة قائمة بمحل واحد، فكيف يمتنع أن يقول باجتماع حروفها (٥) في محل واحد.

ومما يؤيد هذا أنه على أصل القاضي أبي بكر -وهو فحل الطائفة- أن النسخ رفع الحكم بعينه، وهذا اختيار الغزالي (٦)، وهو قول ابن عقيل


(١) في الأصل: يجتمع. وأثبت ما يناسب السياق من: س، ط.
(٢) في الأصل: ثواب. ولا معنى لها. والمثبت من: س، ط.
(٣) في س: واحدًا.
(٤) في س: أيقال.
(٥) في الأصل: حرفهما. وأئبت المناسب للكلام من: س، ط.
(٦) هو: أبو حامد محمَّد بن محمَّد الغزالي الطوسي، فيلسوف متصوف.
يقول ابن كثير: "تفقه على إمام الحرمين، وبرع في علوم كثيرة، وله مصنفات منتشرة في فنون متعددة". توفي سنة ٥٠٥ هـ.
انظر: تبيين كذب المفتري -لابن عساكر- ص: ٢٩١ - ٣٠٦. وسير أعلام =

<<  <  ج: ص:  >  >>