للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن قال: إنه عدمي: لم يلزم من عدم الحركة عن المحل ثبوت سكون وجودي.

فمن قال: إنه تقوم به الحركة أو الحوادث بعد أن لم تكن، مع قوله بامتناع تعاقب الحوادث، كما هو قول الكرامية وغيرهم، يقولون: إذا قامت به الحركة لم يعدم بقيامها سكون وجودي، بل ذلك عندهم بمنزلة قولهم مع المعتزلة والأشعرية وغيرهم إنه يفعل بعد أن لم يكن فاعلًا ولا يقولون: إن عدم الفعل أمر وجودي، كذلك الحركة عند هؤلاء.

وكان كثير من أهل الكلام يقولون: ما لا يخلو عن الحوادث فهو حادث، أو ما لا يسبق الحوادث فهو حادث، بناء على أن هذه مقدمة ظاهرة، فإن ما لا يسبق الحادث فلا بد أن يقارنه أو يكون بعده وما قارن الحادث فهو حادث، وما كان بعده فهو حادث (١).

وهذا الكلام كما يقول الشيخ -رحمه الله- مجمل.

فإن أريد به ما لا يخلو عن الحادث المعين، أو ما لا يسبق الحادث المعين، فهو حق بلا ريب، ولا نزاع فيه، وكذلك إذا أريد بالحادث جملة ما له أول، أو ما كان بعد العدم ونحو ذلك.

وأما إذا أريد بالحوادث الأمور التي تكون شيئًا بعد شيء لا إلى أول وقيل: إنه ما لا يخلو عنها، وما لم يخل عنها فهو حادث، لم يكن ذلك ظاهرًا ولا بينًا، بل هذا المقام حار فيه كثير من الأفهام، وكثر فيه النزاع والخصام، ولهذا صار المستدلون بقولهم: ما لا يخلو عن الحوادث فهو حادث يعلمون أن هذا الدليل لا يتم إلا إذا أثبتوا امتناع حوادث لا أول لها.

وهذا الدليل الذي اعتمد عليه كثير من أهل الجدل في إثبات حدوث العالم، وبنوا عليه نفي الصفات عن الله (٢)، واعتقدوا أن لا دليل سواه، بل


(١) مجموع الفتاوى -لابن تيمية- ١٢/ ١٤١، ١٤٢.
(٢) ولذا نجدهم يبرهنون على نفي الصفات عن الله تعالى بقولهم: الأعراض -التي هي الصفات- تدل على حدوث الموصوف الحامل لهذه الأعراض، فالتزموا نفيها عن الله، لأن إثباتها يستلزم حدوثها- عندهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>