للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المعتزلة، حتى قيل (١): إن الأشعري حجرهم في قمع السمسمة (٢)، فهذا -أيضًا- صحيح بما أبداه من تناقض أصولهم، فإنه كان خبيرًا بمذاهبهم، إذ كان من تلامذة أبي علي الجبائي، وقرأ عليه أصول المعتزلة أربعين سنة، ثم لما انتقل إلى طريقة أبي محمد عبد الله بن سعيد (٣) بن كلاب، وهي أقرب إلى السنة من طريقة المعتزلة، فإنه يثبت الصفات والعلو ومباينة الله للمخلوقات، ويجعل العلو يثبت بالعقل، فكان الأشعري لخبرته بأصول المعتزلة، أظهر من تناقضها وفسادها ما قمع به المعتزلة، وبما أظهر (٤) من تناقض المعتزلة والرافضة والفلاسفة ونحوه، صار له من الحرمة والقدر ما صار له فـ {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا} (٥). لكن الأشعري قصر عن طريقة ابن كلاب، وأنتم خالفتم ابن كلاب والأشعري، فنفيتم الصفات الخبرية، ونفيتم العلو، وخياركم يجعله


(١) ينسب هذا القول إلى أبي بكر الصيرفي.
فقد نقل الذهبي في "سير أعلام النبلاء" ١٥/ ٨٦ والسبكي في طبقات الشافعية ٣/ ٣٤٩ أنه قال: "كانت المعتزلة قد رفعوا رؤوسهم حتى نشأ الأشعري، فحجرهم في أقماع السمسم".
(٢) القمع: مصدر قمع الرجل يقمعه قمعًا. وأقمعه فانقمع قهره وذلَّله فذل.
والقمع: الدخول فرارًا وهربًا.
وانظر: لسان العرب -لابن منظور- ٨/ ٢٩٤ (قمع).
والسمسمة دويبة، وقيل: هي النملة الحمراء.
انظر: اللسان -لابن منظور - ١٢/ ٣٠٥ (سمم).
وهذا القول كتابة عن التضييق والقهر، وهو أمر يتفق وإقامة الأشعري على الاعتزال أربعين عامًا ومعرفته بدقائقه وخباياه، ولذا نجده ألف الكتب الكثيرة التي كشفت النقاب عن ذلك المذهب، وبينت تناقضه.
(٣) في جميع النسخ: مسعود. وهو خطأ. وتقدم التعريف به ص: ١٦٩.
(٤) في س، ط: أظهره.
(٥) سورة النساء، الآية: ٤٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>