[خطورة السحر وانتشاره]
الأمر الآخر انتشار السحر والكهانة في كثير من بلاد المسلمين، وهؤلاء السحرة والكهنة والعرافون الذين يدعون علم الغيب ويقولون: إنهم يعالجون الناس بأنواع من العلاجات هؤلاء كثروا لا كثرهم الله تعالى.
وينبغي أن نعلم أن الله سبحانه وتعالى يقول في كتابه العزيز: {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا} [الجن:٦] هذه الآية جاءت خبراً عن الناس في الجاهلية، فإن العرب كانوا في الجاهلية يخافون من الجن خوفاً شديداً، حتى إن الواحد منهم إذا نزل وادياً وهو في سفر خاف من الجن في هذا الوادي، فإنه يتعوذ من سفهاء هذا الوادي بسيد هذا الوادي من الجن، فإذا نزل قال: أعوذ بسيد هذا الوادي من سفهاء قومه، فلما رأت الشياطين أن هؤلاء يخافون منهم هذا الخوف تسلطوا عليهم فزادوهم رهقاً وتعباً وطغياناً.
وانظر إلى الحالة اليوم، فالناس لما ضعف إيمانهم تعلقت نفوسهم بغير الله سبحانه وتعالى، وصاروا يخافون من غير الله تبارك وتعالى، فتسلطت الشياطين، وتسلط السحرة وكثروا، وصاروا يفتنون الناس، وزادوهم تعباً ومشقة ورهقاً، وهذا أمر خطير جداً يجب أن ينتبه له الجميع.
والواجب في مثل هؤلاء السحرة أن يقام فيهم حكم الله سبحانه وتعالى، وهو تكفيرهم على القول الراجح؛ لأن الله تعالى يقول: {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} [البقرة:١٠٢].
وإذا كان الأمر كذلك فينبغي أن نعلم أن هؤلاء يجب أن يحذر منهم الحذر الشديد، فهؤلاء السحرة يدعون علم الغيب، وادعاؤهم لعلم الغيب ادعاء كاذب؛ لأن الله تعالى يقول: {قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ} [النمل:٦٥]، فلا يعلم الغيب إلا الله وحده لا شريك له.
وما يخبرون به إنما هو عن طريق الشياطين، حينما يأتي ضعيف من ضعفاء النفوس وعنده مريض فيقال له: هناك رجل يعالج في المكان الفلاني اذهب إليه.
وهذا الرجل ساحر، فتأتي الشياطين إلى ذلك الساحر وتخبره، وتقول له: سيأتيك رجل اسمه فلان بن فلان، وأمه اسمها فلانة، وخالته اسمها فلانة، وجرى له قبل عشرة أيام كذا، وقبل سنة كذا، وهذه من الأمور المعلومة.
فيدخل هذا المسكين على هذا الساحر، فإذا دخل عليه وجلس بين يديه قال: أنت اسمك فلان بن فلان، وجرى لك كذا، وجدك اسمه كذا، وجرى لكم كذا، فإذا بهذا الإنسان يدهش ويسقط بين يديه، ويظن أن هذا الساحر قد امتلك قدرة عظيمة منها علم هذه المغيبات؛ لأنه قد يخبره بأشياء لا يعلمها أقرب الناس إليه، بل حتى جيرانه وبعض أقاربه لا يعلمها، فكيف علمها هذا الرجل الذي يعيش في تلك البلدة؟! ولقد حدثني أحدهم -وكان عنده مرض- يقول: ذهبت للعلاج في إيطاليا، فدخلت على طبيب فأخبرني من أسرار أسرتنا ما لا يعلمه أحد، أخبرني عن أمور خاصة جداً فمن الذي أخبر هذا الساحر الكاهن في روما؟ أخبرته الشياطين.
فهؤلاء السحرة يدعون علم الغيب، ثم إن هؤلاء السحرة يستعينون بالشياطين، ولا يعينونهم إلا حينما يقعون في الشرك، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
ومن ثم فإنك تجدهم أحياناً يطلبون من الشخص أن يذبح ذبيحة، ولا يذكر اسم الله عليها لتكون ذبيحة لغير الله، وهذا هو الشرك.
فينبغي أن ننتبه لهذه القضية، وأن هؤلاء السحرة الذين انتشروا وبلي الناس بهم يجب أن يقام فيهم حكم الله سبحانه وتعالى، يجب أولاً أن يحذر منهم، وأن يحذر كل إنسان من يلتقي به من هؤلاء، ثم يجب ثانياً أن يردعوا عملياً وأن يقام فيهم حكم الله سبحانه وتعالى، فإذا أقيم فيهم حكم الله وهو القتل فإنهم يرتدعون ويسلم الناس من شرهم.
أما إذا تركوا يعبثون بعقائد الناس وبأمورهم وتتعلق النفوس بهم فهذا لا يجوز السكوت عنه أبداً، ومن المحزن حقاً أن من هؤلاء السحرة من لهم نفوذ، حتى يقال: إن كثيراً من زعماء العالم لهم كهان وسحرة يخبرونهم عما يجري، وعما يمكن أن يجري ويقع، وتتعلق نفوس هؤلاء الكبار بهؤلاء السحرة، ويؤدي هذا إلى حمايتهم.
والواجب أن نحذر من ذلك حذراً شديداً، وكثير من الناس يقع في شيء من هذا، ومن ذلك أن بعض الناس يذبح للجن خوفاً منهم، أو تقرباً إليهم، حتى إنني سمعت من ذلك نماذج غريبة جداً، فبعضهم يذبح للمزارات، وقد أخبرني أحد الإخوة أنه سمع إحدى الإذاعات العربية تقول: ذهب أمير المنطقة الفلانية إلى مزار سيدي فلان، وكانت معه الأبقار، وذبحوها عند قبر السيد.
وكأنه خبر إسلامي، وكأن هذا الخبر من الأمور المسلمة عندهم! وهذا أمر خطير.
ومن ذلك أيضاً أنني أخبرت أن بعض الناس إذا أراد أن ينزل منزلاً جديداً يذبح ذبيحة وينثر دمها على أسوار البيت، وأحياناً ينثر دمها على أسوار البيت من الداخل، ويظن أنه إذا سكن البيت دون أن يذبح هذه الذبيحة ربما أصيب هو أو أولاده، وذلك لأنه يخاف من الجن، وهذه ظواهر وأمور خطيرة جداً ينبغي أن ننتبه لها.