[عقيدة التوحيد أساس الأسرة وقوامها]
رابعاً: عقيدة التوحيد هي أساس الأسرة وقوامها.
ونحن نقول: نعم، عقيدة التوحيد هي الأساس في حياة الأمة كلها، وفي حياة كل إنسان، وأيضاً هي أساس حياة الأسرة، عقيدة التوحيد الصافية القائمة على مفهوم وأصل لا إله إلا الله محمد رسول الله، هذه العقيدة إذا استقر مدلولها علمياً وعملياً في حياة الأسرة استقراراً عميقاً تحولت الأسرة إلى وضع وشأن آخر؛ لأن مقتضى لا إله إلا الله محمد رسول الله: هو الانخلاع من عبودية غير الله تبارك وتعالى؛ من الشركيات والوثنيات، والعادات الجاهلية، وطاعة أهل الإلحاد والفسق وأهل الفجور، والانخلاع من ذلك إلى طاعة الله تبارك وتعالى وحده لا شريك له، وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم؛ لأن طاعته طاعة لله تبارك وتعالى.
إذاً: أساس الأسرة الذي تبنى عليه هو عقيدة التوحيد، لكننا -ويا للأسف- لا نربي أسرنا على عقيدة التوحيد، ولهذا تجد كثيراً من الأسر لا تفقه عقيدة التوحيد، وشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى -وإنما ضربت به المثل لأنه من القرون المتأخرة- لما أعاد وجدد لهذه البلاد عقيدتها وما اندرس من دينها، بدأ بمنهج تربوي ينطلق من الأسرة في أبسط مسائل العقيدة، الأصول الثلاثة، تعريف الإنسان بالله وبالرسول، كتاب التوحيد، وكانوا في الزمن السابق فعلاً يرددونه، ولقد عهدت من آبائنا وأعمامنا العوام -وأقول: العوام- من يحفظ منهم هذه الأصول وهذه العقيدة حفظاً كاملاً، ويناقشك عليها مناقشة الفاهم الواعي، فلماذا -أيها الإخوة- تخلينا عن تربية أسرنا على عقيدة التوحيد؟! لماذا لا نربي الأسرة على فهم معنى لا إله إلا الله وعلى فهم معنى شهادة أن محمداً رسول الله؟! لماذا لا نربي الأسرة على العقيدة القائمة على الإيمان بالله والكفر بالطاغوت؟! إن هذا هو الأساس، لكن لما تساهلنا في هذه التربية ضعف تأثير العقيدة في نفوسنا ونفوس أسرنا وأزواجنا وأولادنا.
أيها الإخوة! إن تعليم الأسرة لهذه العقيدة يربي فيها جوانب عظيمة يرتاح فيها الأب مربي الأسرة، إذا ما ربى الأب أسرته على عقيدة التوحيد الصافية، وعلمها حتى استقرت في خلدها وتربت عليها تربية صحيحة، فإنه والحالة هذه يستريح في جوانب كثيرة جداً في الحياة، فمثلاً: هذه الأسرة إذا تربت على العقيدة أفردت ربها تبارك وتعالى بالخوف والتوكل والمحبة، فصارت أسرة لا تخاف إلا الله، ولا تتوكل في جميع شئونها إلا على الله سبحانه وتعالى، لكن انظر إلى أسرنا كم من مشكلة نشأت في الأسرة؛ لأن الأم أو الزوجة خافت من الفقر، أو خافت من غير الله سبحانه وتعالى، نعم إذا تربت الأسرة تعلقت بالله، فاستقامت الحياة، فتنام الأسرة وهي مرتاحة لا تخاف من عين إلا بإذن الله، لا تخاف من جن إلا بإذن الله، لا تخاف من مخلوق إلا بإذن الله سبحانه وتعالى، فإذا تعلقت الأسرة بهذا أصبحت فعلاً أسرة مطمئنة مستكينة منشرحة الصدر.
ثم بعد ذلك أيضاً يبعدها عن التعلق بكثير من الشركيات التي تقلق النفس كثيراً، فبعض الأسر لما ضعف فهمها لعقيدة التوحيد ومقتضياته، ووجوب البعد من الشرك وأنواعه، بدأت تقع في أنواع من الشركيات، وفي أنواع من الرقى والتمائم المحرمة، هذه التمائم المحرمة التي ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم النهي عنها إذا وجدت تحولت هذه الأسرة إلى أسرة مضطربة، فتجد الأم دائماً تخاف على ولدها فتعلق عليه التمائم، تخاف عليه من العين، ولربما توهمت أن ابنها مريض وقلقت، ودارت على المستشفيات، وأقلقت زوجها وأقلقت أسرها، والطفل ليس فيه شيء إنما هي أمه التي فيها شيء؛ نظراً لضعف إيمانها وعقيدتها.
ثم بعد ذلك أيضاً يبعدها عن الوقوع في أنواع من الشرك الأصغر والأكبر التي تحبط الأعمال، والله يقول: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء:٤٨].
أيها الإخوة! إن تربيتها على العقيدة يجعل حب الله تبارك وتعالى مقدماً على حب غيره ولو كان زوجاً أو زوجة، حينما يتعارض حب الله وحب الزوجة، أو حب الله وحب الزوج بالنسبة للمرأة، أو حب الله وحب الولد أو الوالد فأيهما يقدم صاحب العقيدة الصافية؟ أيهما يقدم من غرست في قلبه هذه العقيدة السليمة؟ إن المشاهد -ويا للأسف- أن غلبة حب الزوج أو الزوجة أحياناً يؤدي إلى مآسي، فقد تجد امرأة مؤمنة بالله، لكنها وقد تزوجت وأحبت زوجها -وخاصة إذا وجد لها منه أولاد- قدمت حب زوجها وأولادها على حب الله ورسوله، فإنك قد تجد زوج المرأة زنديقاً، ما معنى زنديق؟ معنى ذلك: أنه يتفوه بالإلحاديات، إما الاستهزاء بدين الله، أو أنه لا يصلي، أو غير ذلك من الأمور التي هي نواقض الإسلام تجده واقعاً فيها، وتجد هذه الزوجة قد أحنت رأسها له، ولم تحن رأسها للواحد الجبار، فبقيت عنده.
وكذلك أيضاً بالنسبة للرجل، فقد تكون عنده امرأة لا تصلي فيبقيها عنده، ولا يقدم حب الله على حب الخلق ولو كان أقرب الناس.
أيها الإخوة! إن حب الله سبحانه وتعالى وحده، والإخلاص له في ذلك أساس دستور الأسرة، فكمال الحب يكون بعبادة الله وحده لا شريك له؛ ولذلك كان أعظم الذنوب الشرك بالله سبحانه وتعالى، قال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ} [البقرة:١٦٥]؛ فإذا ما قدم حب غير الله على حب الله سبحانه وتعالى فإن هذا من الشرك الأكبر، وأعظم مقتضيات الحب لله طاعة الله واتباع رسوله، قال الله تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} [آل عمران:٣١]، فحب الله يقتضي تقديم طاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم على طاعة الخلق ولو كان أقرب الناس إليك، ولو كان أباً أو أماً، ولو كان زوجاً أو زوجة، ولو كان غير ذلك، هذا هو أساس عقيدة التوحيد؛ فحينما تصفى هذه العقيدة وتسلم تنشأ الأسرة وتكون التكوين الصحيح.