ينبغي أن يعلم أن الاعتماد على الكتاب والسنة له معالم أساسية، وأول هذه المعالم: أن الإيمان لا يتحقق إلا بذلك.
الأمر الثاني: أن العقول البشرية لا يمكن أن تستقل بتحصيل المعارف بنفسها، فلا بد من الالتزام والاعتماد على خبر الصادق.
الأمر الثالث: ينبغي أن يعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم معصوم تمام العصمة فيما يبلغه عن ربه تبارك وتعالى.
الأمر الرابع: ينبغي أن نعلم أنه لا يمكن أن تكون بين نصوص الكتاب والسنة تعارض وتنازع، فلا يمكن أن يأتي نص يناقض نصاً ولا يخالفه؛ لأن نصوص الكتاب والسنة كما سلف قسمان: إما أخبار وإما أوامر ونواهي، فأما الأخبار فإن هذه لا يمكن أن يأتي نص يخالف نصاً أبداً، وأما الأوامر والنواهي فهي الأحكام الشرعية التي قد يدخلها النسخ، وقد تختلف فيها اجتهادات العلماء كما اختلف فيها الصحابة رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، وهذه من حكمة الله تبارك وتعالى، لكن لا يمكن أن يصدر عن النبي صلى الله عليه وسلم في وقت واحد نصان متعارضان أبداً، وإنما قد يرد نص في الدلالة على أمر معين والأمر به، ثم بعد ذلك ينسخه الله أو ينسخه الرسول صلى الله عليه وسلم بأمر من الله تبارك وتعالى، لكن أن يكون هناك نصان يتعارضان فهذا لا يمكن أن يحدث أبداً.
وفي ختام الكلام على هذين المصدرين أود أن أشير إلى فكرة ربما يطرحها بعض الذين في قلوبهم مرض من العلمانيين وغيرهم، وهذه الفكرة قد تكون بدأت بوادرها الآن وهي: أن هؤلاء يرفعون الآن لواء الرجوع إلى الكتاب والسنة دون الرجوع إلى فهم السلف للكتاب والسنة، وهذه قد تكون كلمة حق ولكن أرادوا بها باطلاً، وهم يعلمون أنه لا يمكن الهجوم على الكتاب والسنة، ولا يمكن أن يكون هناك رفض تام للعقيدة، ولا للكتاب ولا للسنة؛ لأن هذه ردة مفضوحة لا يستطيعون أن يطرحوها، فلجئوا إلى أسلوب آخر يريدون أن يبدءوا من خلاله تحطيم شريعتنا وتحطيم عقيدتنا، فجاءت هذه الفكرة تقول: ينبغي أن نرجع إلى الكتاب والسنة، وأن نفهمهما من خلال واقعنا المعاصر، ولا نلتفت إلى فهم السلف، ولا إلى فهم العلماء السابقين، ولا إلى ما أصلوه من أصول، ولا إلى ما قعدوه من قواعد، ومن ثم فنحن نرجع إلى الكتاب والسنة ونتدارس مفاهيمهما وما نخلص إليه هو الذي نتفق عليه، وهو الذي نعمل به، وهذه معناها أن نتخلى عن كل ما سبق من تاريخنا وتراثنا في فهم الكتاب والسنة وشروحهما، ثم نبدأ فهماً جديداً، ومن هو الذي يفهم هذا الفهم الجديد؟ كل من أراد أن يفهم الكتاب والسنة فليفهمهما، العالم والجاهل والعامي وهذا الملحد الزنديق الذي لم يعلم كتاب الله ولا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يتشبع بهما، كل هؤلاء يمكن أن يفسروا كتاب الله، وأن يفسروا سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، وهذه قضية خطيرة جداً لعل فيما يأتي إن شاء الله تعالى إشارة إلى بعض جوانبها.