وأول حدث من أحداث الموت هو أن الإنسان إذا جاءه الموت فقبل قبض روحه تحضر ملائكة الموت، فملائكة الموت تأتي المؤمن في صورة حسنة جميلة، وتأتي الكافر والمنافق في صور فظيعة مخيفة.
ففي حديث البراء بن عازب عند أبي داود وغيره -وهو حديث صحيح- يقول فيه الصادق المصدوق صلى الله عليه وآله وسلم:(إن العبد المؤمن إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة نزل إليه ملائكة من السماء بيض الوجوه كأن وجوههم الشمس، معهم كفن من أكفان الجنة وحنوط -وهو الطيب وما يتبعه مما يوضع بين الأكفان- من حنوط الجنة، حتى يجلسوا منه مد بصره)، وهذا كله قبل الموت عند حضور موت المؤمن، وهذا دليله قول الله تبارك وتعالى {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ}[فصلت:٣٠]، إنها حالة الموت يبشر بها المؤمن بالله سبحانه وتعالى، ويا لها من حالة ما أطيبها للمؤمن وإن كان أهله وأحبابه من ورائه في ألم شديد، لكن شتان بين الحالتين، أولاد وأحباب يبكون، والميت مبتسم يستقبل الملائكة بهذه الأشكال الطيبة، إنه فرح مسرور في لحظة هي من أشد اللحظات التي تمر على الإنسان.
قال صلى الله عليه وآله وسلم:(ثم يجيء ملك الموت عليه السلام حتى يجلس عند رأسه فيقول: يا أيتها النفس الطيبة -وفي رواية: يا أيتها النفس المطمئنة- اخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان.
قال: فتخرج تسيل كما تسيل القطرة من في السقاء فيأخذها)، هذه حالة للمؤمن الصادق.
أخي في الله! تعال إلى حالة مقابلة لها، هي من الأهوال الفظيعة، يقول الصادق المصدوق في نفس الحديث:(وإن العبد الكافر -وفي رواية: الفاجر- إذا كان في انقطاع من الآخرة وإقبال من الدنيا، نزل إليه من السماء ملائكة غلاظ شداد سود الوجوه، معهم المسوح)، والمسوح هي ما يلبس من الشعر من الألبسة والأكسية الغليظة، تلك التي يلبسها البعض تقشفاً؛ قال:(معهم المسوح من النار، فيجلسون منه مد البصر، ثم يجيء ملك الموت حتى يجلس عند رأسه، فيقول: يا أيتها النفس الخبيثة! اخرجي إلى سخط من الله وغضب، قال: فتفرق في جسده)، يعني أن الروح يصيبها الرعب من هذا الخطاب الرهيب فتنكص إلى الجسد لا تريد أن تخرج؛ لأنها إنما تقبل على غضب من الله، قال:(فتفرق في جسده فينتزعها كما ينتزع السفود من الصوف المبلول، قال: فتتقطع معها العروق والعصب)، يعني أن ملك الموت ينزع هذه الروح الخبيثة نزعاً من أعماق العروق والعصب، ويا لها من رحلة لهذه الروح حين تخرج هذا المخرج الذي وصفه لنا رسولنا صلى الله عليه وآله وسلم.