حتى لا يطول بنا المقام -فالحديث عنهم طويل- نجيب عن التساؤل السابق بما يلي: أولاً: أن قول النبي صلى الله عليه وسلم لليهود: (نحن أولى بموسى منكم) قائم على أدلة جاءته من ربه تبارك وتعالى، فيها ذم اليهود، والحديث عن طبيعتهم، ومكرهم، وكيدهم، وكفرهم، وتكذيبهم بأنبيائهم، بل وقتلهم لهم إلى آخر ما ورد فيهم في كتاب رب العالمين الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنزيل من حكيم حميد.
فالعداء معهم ليس سببه قضية أو أزمة معينة إذا انتهت زال العداء، واسمعوا إلى قول الله تعالى عنهم:{وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ}[الأعراف:١٦٧] وهذا التأذن -وهو: الإعلام- مبني على ما علمه الله من طبيعة هؤلاء.
يقول ابن كثير رحمه الله تعالى في هذه الآية: وفي قوة الكلام ما يفيد معنى القسم من هذه اللفظة؛ ولهذا تلقيت باللام في قوله:(لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ) أي: على اليهود (إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ) أي: بسبب عصيانهم ومخالفتهم أوامر الله وشرعه، واحتيالهم على المحارم، ويقال: إن موسى عليه السلام ضرب عليهم الخراج سبع سنين، وقيل: ثلاث عشرة سنة، وكان أول من ضرب الخراج.
ثم كانوا -أي: اليهود- في قهر الملوك من اليونانيين والكشدانيين والكلدانيين، ثم صاروا في قهر النصارى وإذلالهم إياهم، وأخذهم منهم الجزية والخراج.
ثم جاء الإسلام ومحمد عليه أفضل الصلاة والسلام فكانوا تحت صغاره وذمته يؤدون الخراج والجزية.
قال العوفي عن ابن عباس في تفسير هذه الآية: هي المسكنة وأخذ الجزية منهم.
وقال علي بن أبي طلحة عنه -أي: عن ابن عباس -: هي الجزية، والذين يسومونهم سوء العذاب هم: محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمته إلى يوم القيامة.
قلت -القائل ابن كثير -: ثم آخر أمرهم أنهم يخرجون أنصاراً للدجال، فيقتلهم المسلمون مع عيسى بن مريم عليه السلام، وذلك آخر الزمان.
فهذا خبر الله عن ملاحمنا مع اليهود، فهل نعي -أمة الإسلام- هذه الحقائق القرآنية التي لا يتطرق إليها شك ولا ريب أبداً؟!