[أقسام الناس في اتباع الكتاب والسنة]
المسألة الثانية: هي أن المتتبع لأحوال الناس جميعاً يجدهم ينقسمون إلى قسمين لا ثالث لهما: القسم الأول: المتبعون للرسول صلى الله عليه وسلم على منهج الحق ظاهراً وباطناً.
القسم الثاني: المخالفون في ذلك، المعترضون على حكم الله وأمره، وعلى حكم رسوله صلى الله عليه وسلم وأمره، ومن ثم: فإننا نشير هنا في هذه المقدمة إلى أنواع الذين اعترضوا على أمر الله سبحانه وتعالى وحكمه وشرعه، وهؤلاء ثلاثة أنواع: النوع الأول: الذين يعترضون بالشبه الباطلة، والتي يسمونها قواطع عقلية، وليست قواطع عقلية، وإنما هي خيالات، كالذين ينكرون أسماء الله وصفاته، أو عموم قدرته تبارك وتعالى، أو غير ذلك بأدلة العموم، هذه هي الطائفة الأولى من المتفلسفة وأهل الكلام وغيرهم.
الطائفة الثانية: الذين يعترضون على شرعه وأمره، وهؤلاء ثلاثة أقسام: القسم الأول منهم: الذين يعترضون بآرائهم وأقيستهم المتضمنة تحليل ما حرم الله أو تحريم ما أباحه الله سبحانه وتعالى، أو إسقاط ما أوجبه أو إيجاب ما أسقطه إلى آخره، وهؤلاء هم أصحاب الأقيسة العقلية الفاسدة التي أرادوا أن يفسدوا بها دين الله سبحانه وتعالى.
القسم الثاني: الذين يعترضون على حقائق الإيمان وعلى حقائق الشرع بما عندهم، أو ما يسمونه بالأذواق والمواجيد والخيالات وغيرها، وهذا مشهور عند المتصوفة، فإن هؤلاء يعتقدون أن هذه الكشوفات -وهي كشوفات باطلة- تقدم على حقائق الإيمان والشرع، وقد يصل ببعضهم الأمر إلى أن يحل ما حرم الله ويحرم ما أحل الله سبحانه وتعالى، ويجعل هذا مرتبة من مراتب الولاية.
القسم الثالث: الذين يعترضون على شرع الله وأمره بالسياسات الجائرة التي يقدمونها على حكم الله سبحانه وتعالى وعلى حكم رسوله صلى الله عليه وسلم.
فهذه الأقسام الماضية كل واحد منهم يقدم أمراً على أمر الله ورسوله، فالأولون إذا تعارض عندهم العقل والنقل قالوا: نقدم العقل.
الطائفة الثانية: إذا تعارض الأثر مع القياس قدموا القياس على الأثر.
الطائفة الثالثة: إذا تعارض الذوق والوجد والكشوفات مع ظواهر الشرع قدموا أذواقهم وكشوفاتهم.
النوع الرابع: أصحاب السياسات يقولون: إذا تعارضت السياسة والشرع نقدم السياسة وهي السياسة الجائرة.
النوع الثالث: الذين يعترضون على أفعال الله سبحانه وتعالى وقدره، وهؤلاء هم أعظم الناس ضلالاً وجهالة.
وهذه الاعتراضات التي أشرنا إليها قبل قليل هي اعتراضات أولئك الذين يريدون أن يحرفوا الناس عن دينهم، وأن يبدلوا شرع الله سبحانه وتعالى ودينه بعقائد وفلسفات، ويريدون أن يصرفوا الناس عن تحقيق وتحكيم شرع الله سبحانه وتعالى، وهذا مبني على النقطة الأولى، وهو: أننا لا نقسم الدين إلى أصول وفروع، بل الدين كله دين، والتزام أمر الله وشرعه، والتزام العقيدة الصحيحة، كل ذلك شيء واحد يجب على الجميع أن يلتزمه، ولا يجوز لإنسان أن يعتقد أنه يجوز أن يتخلى عن شيء من ذلك.