للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الهدف من دراسة قضية القضاء والقدر وفهمها]

بعض الناس قد يظن أن بحث مسألة القضاء والقدر لا يكون إلا حينما يراد للأمة الاستكانة والخضوع، بمعنى: أنه إذا ابتليت الأمة بالمصائب، وتسلط عليها الأعداء من كل جانب، وصار المسلمون ضعفاء، فمن الأنسب أن نقول لهم: ما جرى إنما هو بقضاء الله وقدره، وعليكم أن تؤمنوا بالقضاء والقدر، وهذا الأمر لا يمكن أن ينفك عنكم أبداً إلى آخره، كما حكي عن بعض الناس أنه قال مثل هذا الكلام إبان الحروب الصليبية، فلما هجم الصليبيون على العالم الإسلامي تلك الهجمة الشرسة قال بعضهم: إن هذا من القضاء والقدر، وما دام أنه من القضاء والقدر فيجب أن نستسلم له! ونحن نقول: إن بحثنا لمثل هذه القضية، وفي مثل هذه الظروف التي تمر بالأمة الإسلامية، ليس مقصده شيئاً من هذا، بل العكس تماماً؛ لأن الإيمان بالقضاء والقدر والفهم الصحيح له هو الذي يحول الإنسان من إنسان متبلد إلى إنسان مقدام شجاع، وهذه مسألة سنعرض لها؛ لأن بعض مسائل العقيدة أحياناً تفهم على غير وجهها مثل: مسألة المهدي، ونزول عيسى، فإذا درست أحاديث المهدي ومجيئه في آخر الزمان، وأنه يملأ الأرض عدلاً، ثم ينزل عيسى ويقتل الدجال إلى آخره، يتبلور في أذهان بعض الناس أنه ينبغي أن ينتظر المهدي، وينتظر نزول عيسى ابن مريم، وأن علينا أن نسكت، وأن الدنيا لا تزيد إلا ظلماً، والاستسلام هو الأولى، والسكوت هو الأولى، وعليك بخويصة نفسك إلى آخره! نقول: هذا من الفهم الخاطئ لقضية المهدي ولمسألة نزول عيسى ابن مريم عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والتسليم؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم الذي أخبرنا بهذا، والصحابة الذين فهموا هذا، هل جاء في أذهانهم مثل هذه المفاهيم؟! لا، بل عملوا في حياتهم على مقتضى شرع الله؛ لتغيير الواقع، وللنهوض بالأمة الإسلامية بحسب جهدهم وبحسب مقدرتهم، ووفقهم الله سبحانه وتعالى؛ لأنهم كانوا مخلصين في مقاصدهم، وكانوا أيضاً متبعين لشرع الله تعالى في أعمالهم وفي مناهجهم.

ومن هنا تجد أن قضية القضاء والقدر عند بعض العلماء لا يمكن أن تمر في ذهنه أنها تدعوه إلى الكسل والتواني، سواءً كان هذا على مستوى الفرد أو على مستوى الأمة، حتى إن عبد القادر الجيلاني يؤثر عنه أنه قال: ليس الرجل الذي يسلم للأقدار -أي: يستسلم- وإنما الرجل الذي يدفع الأقدار بالأقدار.

وهذه قضية واضحة جداً، كل منا لو نظر في حياته لوجد أنه مضطر إلى هذا، فإذا كنت في أمورك العادية تدفع الأقدار بالأقدار حتى قدر الجوع تدفعه بقدر آخر وهو الأكل، وقدر العطش تدفعه بقدر آخر وهو الشرب والري، وهكذا.

كذلك قدر المعصية إذا وقعت تصبح قدراً فإنك تدفعها بقدر آخر وهو الطاعة والتوبة إلى الله سبحانه وتعالى كما سيأتي.

<<  <  ج: ص:  >  >>