[الإيمان بالقدر وأهميته]
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد: فسنقف -بإذن الله تعالى- مع قضية من قضايا العقيدة الكبرى؛ لأن أثرها في حياة الإنسان وفي حياة البشرية كبير جدا، ومستمر مع الإنسان منذ ولادته إلى أن يلقى ربه تبارك وتعالى، ومن ثم كان عرض مثل هذا الموضوع وبيانه على منهاج السلف الصالح رحمهم الله تعالى مما ينبغي أن تربى عليه الأمة ويعنى به الدعاة والمصلحون؛ لأن أثر الإيمان بالقضاء والقدر على حياة الإنسان والأمة كبير جدا، وأي إشراك فيه قد يؤدي إلى انحراف أو انحرافات في حياة الإنسان الحر، أو في حياة الأمة جمعاء.
ولهذا فسأعرض هذه القضية من خلال القضايا التالية بعد المقدمة.
أولاها: أحوال بعض الصالحين مع القضاء والقدر.
وثانيها: المعالم الكبرى في مسألة القضاء والقدر.
وثالثها: أهم مسألة في قضية القدر وأخطرها.
ورابعها: أثر الإيمان بالقضاء والقدر في حياة الإنسان وحياة الأمة.
وأقول فيما يتعلق بالمقدمة: إن هذا الموضوع كثر البحث فيه، حتى ألفت فيه كتب عديدة، وقد عني سلفنا الصالح رحمهم الله تعالى بذلك عناية كبيرة، حتى بوب له الأئمة أئمة الحديث في كتبهم كـ البخاري ومسلم وأبي داود والترمذي وغيرهم.
كما أن بعض العلماء ألفوا فيه كتباً مستقلة، كـ الكلابي والبيهقي وغيرهما من الأئمة رحمهم الله تعالى، ثم توالت بعد ذلك المؤلفات في هذا الموضوع لعلماء الإسلام قديماً وإلى عصرنا الحاضر، ومن ثم فلا يزال في الساحة كتب كثيرة في هذا الموضوع، وإن كان بعضها مما ينبغي أن يقرأه الإنسان بحذر؛ لأن أصحابها ربما تأثروا بمناهج الفلاسفة أو المتكلمين أو غيرهم، فلم تصبح دراستهم لهذا الموضوع المهم دراسة قائمة على منهاج سليم في جميع الوجوه.
وقد سبق أن ألقيت في هذا الموضوع محاضرات، ومن ثم فسأحرص -إن شاء الله تعالى- على عرض هذه القضية من خلال قضايا مجملة أحس أن كثيراً من الناس بحاجة إليها.
أما تفاصيل ما يتعلق بالقضاء والقدر وأدلته وقضاياه المتعددة فتلك موجودة في بطون الكتب، ويمكن أن نحيل على بعضها، وأقول: أيها الأخ في الله! إن الإيمان بالقضاء والقدر ركن من أركان الإيمان، ولقد كانت الأمة الإسلامية عبر القرون مؤمنة بالقضاء والقدر، ولم تكن تشكو من هذه القضية، وإنما الذي كان يشكو منها نزرٌ يسير من الناس استهواهم الشيطان أو استهواهم أصحاب البدع فانحرفوا في هذا المجال.
أما بقية الأمة فقد عاشت قروناً تؤمن بالقضاء والقدر وتعبد ربها وليس عندها مشكلة من هذه القضية، ونحن -والحمد لله- نشاهد أمثال ذلك فيما بيننا، فهل رأيت أباك أو أمك أو أحد أقربائك يوماً من الأيام يشكو من هذه المشلكة التي يشكو منها بعض الشباب؟ أم أنهم -والحمد لله- كانوا مؤمنين بالله مسلمين لقضائه وقدره عابدين لربهم تبارك وتعالى، إن أصابتهم مصائب تذكروا أنها بقضاء الله وقدره فصبروا، وإن وقعوا في معايب وذنوب عرفوا أنهم أخطئوا فلم يحتجوا بقدر وإنما رفعوا أكف الضراعة إلى المولى القدير ليتوب عليهم ويعفو عنهم، ثم أبدلوا سيئاتهم بحسنات يرجون بها محو تلك السيئات السابقات، والحمد لله أننا ما زلنا نشاهد نماذج عديدة ومتعددة وكثيرة من هذه الأنواع المؤمنة المسلمة، وهذا يدل على أن قضية الإيمان بالقضاء والقدر هي قضية إيمانية حقة لا لبس فيها ولا غموض.
وإنما يحيط اللبس والشك والشبه حين ينحرف الإنسان عن منهج ربه سبحانه وتعالى.