ثانياً: الاعتماد على فهم الصحابة
الأساس الثاني: اعتصامنا بالكتاب والسنة لا يكفي بمجرده، بل لا بد من أمر آخر، ألا وهو الاعتماد على فهم الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم؛ لأنهم هم الذين شاهدوا التنزيل، وهم الذين بلغوا الوحي، والقرآن الكريم إنما وصلنا عن طريق الصحابة، وكذلك سنة الرسول صلى الله عليه وسلم وصلتنا عن طريق الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، فهم أعلم منا بالكتاب والسنة، فإذا اختلفنا في فهم نص من نصوص الكتاب والسنة؛ فإن الواجب علينا أن ننظر إلى فهم أولئك الصحب الكرام رضي الله عنهم أجمعين؛ ولهذا كان أصحابه عليه الصلاة والسلام رضي الله عنهم قد اختصوا بصفات عظيمة منها: شدة حرصهم على الحديث النبوي واهتمامهم في تفسيره، فهذا أحدهم يقول وهو يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد سمعته أذناي، ووعاه قلبي، وأبصرته عيناي حين تكلم به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا أبو هريرة الصحابي المكثر رضي الله عنه قال له الرسول صلى الله عليه وسلم لما سأله: من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة؟ فقال له: (لقد ظننت يا أبا هريرة! ألا يسألني عن هذا أحد قبلك؛ لما رأيت من حرصك على الحديث، ثم قال: أسعد الناس بشفاعتي من قال: لا إله إلا الله خالصاً من قلبه).
كذلك أيضاً: كان الصحابة أهل علم وفقه، كانوا يسألون رسول الله، وكانت عائشة لا تستشكل شيئاً إلا سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه وراجعته فيه، وأنس بن مالك رضي الله عنه يقول: كنا نكون عند النبي صلى الله عليه وسلم فنسمع منه الحديث، فإذا قمنا تذاكرناه فيما بيننا حتى نحفظه.
إذاً: كانوا حريصين على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وحفظها وتبليغها، أما تبليغ القرآن فقد تكفل الله بحفظه، وقد كانوا حفظة له مبلغين، ثم حفظ الله هذا القرآن بجمعه وكتابته في عهد أبي بكر، ثم في عهد عثمان رضي الله عنهم.
ثم إن هؤلاء الصحابة دعا لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما دعا لـ أبي هريرة وكما دعا لـ ابن عباس.
ثم إن هؤلاء الصحابة كانوا يحتاطون كثيراً في تحديثهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أيها الإخوة في الله! إننا حينما نقول: إن من مصادر فهم الكتاب والسنة فهم الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم؛ إنما نقول ذلك لأن هذا يحدد المسار الصحيح لمنهج السلف الصالح رحمهم الله.
لقد وجد في زمننا هذا، بل وجد قبل ذلك من يأخذ بنصوص الكتاب والسنة دون أن يرجع إلى فهم السلف الصالح، فأهل البدع قديماً كانوا يأخذون بالكتاب والسنة مع مصادرهم الأخرى من عقولهم، فإذا قيل لهم: إن هذا مخالف لفهم الصحابة والسلف، قالوا: هم رجال ونحن رجال! فوقعوا في الجدال، ووقعوا في التحريف، بل وقعوا في أنواع من التحريف الباطل الذي هو كفر بالله سبحانه وتعالى، فهؤلاء الرافضة -عليهم من الله ما يستحقون- إذا تلوت على أحدهم قول الله تعالى: {يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ} [الرحمن:٢٢] قال: أتدري ما اللؤلؤ والمرجان؟ اللؤلؤ والمرجان هما الحسن والحسين، الله يقول: {مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ * بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لا يَبْغِيَانِ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ} [الرحمن:١٩ - ٢٢]، وهذا يقول: الحسن والحسين! وإذا تلوت قول الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً} [البقرة:٦٧] في قصة موسى وبني إسرائيل؛ قال لك هذا الباطني الرافضي: البقرة هي عائشة رضي الله عنها! وهكذا من دونهم من أهل البدع، يفسرون النصوص بأهوائهم، وفي عصرنا وجد العلمانيون الذين لا يستطيعون رفض التراث -كما يسمونه- لأنهم يعلمون أن الطعن في الكتاب والسنة ردة، ولكن يقولون: نحن لا نفسر القرآن والسنة كما فسرها الصحابة والسلف، فهم رجال ونحن رجال.
وهذا وقع كثيراً حيث يأتي أحدهم إلى كتاب الله تعالى ويفسر الآية كما يشاء، فتقول له: لقد أجمع المسلمون على هذا الفهم، ولا يجوز الخروج على إجماعهم، فيقول: لا، لكنني أنا عربي وأفهم! وجاءوا بتأويلات وتحريفات لنصوص الكتاب والسنة حتى ضاع الدين، وحتى حولت العلمنة الإسلام في كثير من بلاد المسلمين إلى دين شكلي، وضاعت الشريعة، فالربا تحول إلى ضرورة اقتصادية بفتاوى من هؤلاء، والخمر سميت بغير اسمها، وعطلت الشريعة وإقامة الحدود وتطبيق أحكام الله في جميع الأمور، وقالوا: هذا لا يمكن تطبيقه في عصرنا الحاضر، وإنما هذا يصلح للعصر البدوي! قرأت لأحد الحداثيين يقول عن حكم السرقة: يجب أن نفهم حكم السرقة فهماً عصرياً حديثاً، ويجب أن نرجع إلى أسباب النزول، قال: نزلت آية السرقة: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة:٣٨]، والعرب كانوا بدواً رحلاً ليس عندهم سجون ثابتة؛ لذلك عدلوا عن السجن إلى قطع اليد، لكن في عصرنا الحاضر بنيت الفلل والبيوت والخرسانة المسلحة؛ فينبغي لنا أن نرجع إلى الأصل فنعدل عن قطع يد السارق إلى السجن! أرأيتم إلى فهم هذا الحداثي! وهو أستاذ الحداثيين في بلادنا.
أيها الإخوة! إننا حينما نعدل عن فهم السلف الصالح ونترك الحبل على غاربه لكل من يريد أن يفتي بلا علم شرعي؛ يتحول إسلامنا وديننا إلى أن يكون إسلاماً أملس شكلياً، وأعداؤنا يريدون أن يكون إسلامنا شكلياً، لكن يجب أن نعود إلى أصول العقيدة، وأن نرجع إلى المنهج الصحيح في فهم هذه العقيدة وفي تطبيقها، وإن غضب الكثير الكثير من بني جلدتنا وأبناء عمومتنا.