[عصيان اليهود وانحرافهم مع وجود أنبيائهم بين أظهرهم]
إن اليهود قد برزت انحرافاتهم الخطيرة واعتراضاتهم على شرع الله وأمره حتى وأنبياؤهم بين ظهرانيهم! فكيف بهم بعد موت أنبيائهم، وتحريف أحبارهم ورهبانهم لكتب الله المنزلة عليهم؟! وهذه نماذج مختصرة أشير إليها مع أنكم تعلمونها، لكنها من باب الذكرى؛ لأننا في زمن نخاف فيه أن تتغير الحقائق.
حينما نجى الله موسى وبني إسرائيل من فرعون الطاغية بمعجزة عظيمة باهرة، وهي تحويل البحر إلى يبس يمرون عليه، ثم إغراق فرعون بعد ذلك؛ طلب بنو إسرائيل من موسى حين رأوا قوماً يعبدون الأوثان أن يجعل لهم إلهاً كما لهؤلاء آلهة، ولكن موسى نصحهم وبين لهم عقيدة التوحيد وخطر الشرك، وبين لهم بطلان ما يفعله هؤلاء؛ فكفوا عن ذلك مؤقتاً، فلما غاب عنهم موسى لمناجاة ربه عند جبل الطور سرعان ما عبدوا العجل الذي صنعه لهم السامري.
وهذا أمر عجيب! نبي الله بين أيديهم يأمرهم بالتوحيد، وينهاهم عن الشرك ويبينه لهم في قصة واقعية رأوها من هؤلاء القوم العاكفين على أصنام لهم، ثم يطلبون آلهة؟! ولكن سرعان ما نسوا هذا ليكونوا عبدة للعجل عندما غاب موسى عنهم، مع أن نبي الله هارون كان بين أظهرهم عليه الصلاة والسلام.
وتعنتوا على موسى فقالوا له يوماً من الأيام: {لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً} [البقرة:٥٥] فأخذتهم الصاعقة بكفرهم، ثم بعثهم الله من بعد موتهم، ورجعوا إلى الطاعة.
وقد كانوا أهل شهوة وعبادة مال، قالوا لموسى وقد منّ الله عليهم بأطيب الطعام المن والسلوى: {لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ} [البقرة:٦١] ماذا تريدون؟ يريدون البقل والفوم.
ولما حرم الله عليهم صيد السمك يوم السبت احتالوا على ذلك بما قصه الله عنهم.
ولما حرم الله عليهم الشحوم احتالوا فأذابوه وباعوه وأكلوا ثمنه.
ولما سار بهم موسى إلى الأرض المقدسة لفتحها، وتقدموا إليها واستطلعوا أحوالها وأخبارها؛ قالوا لموسى: يا موسى! إن الأرض المقدسة تدر لبناً وعسلاً إلا أن سكانها من الجبارين.
وأبوا الجهاد، بل قالوا -ويا عظم ما قالوا! -: {قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} [المائدة:٢٤] فابتلاهم الله تبارك وتعالى بالتيه أربعين سنة يتيهون في الأرض، قيل: إنهم كانوا يسيرون يوماً وليلة أو أكثر يبحثون عن مكان أو مدينة يأوون إليها، فإذا انتبهوا وجدوا أنفسهم في مكانهم الأول.
فهذه حالهم ونبي الله موسى عليه الصلاة والسلام بين أظهرهم.