[الإيمان بقيام حجة الله سبحانه وتعالى على عباده]
المعلم الثالث: هو قيام حجة الله سبحانه وتعالى على عباده.
فالإنسان لو تأمل حاله لوجد نفسه يفعل بإرادته وقدرته، ولوجد نفسه غير مكره، ولو أكره على أمر لم يحاسب عليه، وقيام حجة الله على عباده جاءت بأمور أربعة: أولها: أن العبد قد أعطاه الله قدرة بها يفعل، ولذلك يفعل العبد أفعاله بقدرته، فهو الذي يذهب ويصلي ويصوم، وهو الذي -أيضاً- يفعل المعاصي بقدرته.
الثالث: أن له مشيئة {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ} [التكوير:٢٨]، وهذه المشيئة أعطاه الله إياها، وهي خاضعة لمشيئة الله سبحانه وتعالى، قال تعالى: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [التكوير:٢٩]، لكن العبد له مشيئة بها يفعل، فلو فعل فعلاً بغير مشيئة فإنه لا يحاسب.
الرابع: أن الله سبحانه وتعالى لا يكلفه إلا بعد البلوغ ووجود العقل، أي أن التكليف مربوط بالعقل والبلوغ، فغير العاقل لا يكلف، وغير البالغ أيضاً لا يكلف، فانتبه لمعالم قيام الحجة.
الرابع من معالم قيام الحجة: أن الله سبحانه وتعالى بين لك الطريق، فأرسل إليك الرسل وأنزل عليهم الكتب، فبينوا لك الطريق بياناً واضحاً مثل الشمس، ومن ثم فإن رسل الله سبحانه وتعالى قامت بهم حجة الله تبارك وتعالى على عباده، فإذا تأملت هذا الإنسان وجدته عنده قدرة، وله إرادة، وهو بالغ عاقل، وقد بينت له الطريق والمحجة فقيل له: افعل هذا ولا تفعل هذا، إن فعلت ما أمرت به فلك الأجر، وإن عصيت وتركت أو فعلت ما نهيت عنه فعليك الوزر.
بيان واضح أقام الله به الحجة على عباده، ومن ثم فهذا الإنسان لو تأملت أحواله في هذه الحياة لوجدتها تنقسم إلى قسمين: قسم يجري على الإنسان في هذه الحياة لا إرادة له فيه، فهذا لا يحاسب عليه، مثل كون الإنسان وجد وولد في يوم كذا من أبوين هما فلان وفلان، وعمره كذا، وطوله كذا، وشكله ولون بشرته كذا، فلا يحاسب الإنسان على هذه الأشياء فيؤتى به يوم القيامة فيقال له: لماذا أنت قصير؟ أو: لماذا أنت طويل؟ كذلك أيضاً ما يجري على الإنسان بغير إرادة منه، فإذا مرض وما استطاع أن يذهب إلى المسجد، أو إذا أصابته مصيبة أو غير ذلك من الأمور هل يحاسب الإنسان عليها؟ لا؛ لأنها أمور جرت عليه بغير إرادة منه فلا يحاسب عليها.
فمن وقعت عليه مصيبة يؤمر بالصبر؛ لأنَّه يؤجر على ذلك، لكن لا يقال له: لماذا وقعت عليك المصيبة؟ فهذا هو القسم الأول من أقسام ما يجري عليك أنت أيها الإنسان، فهذا قسم لا تحاسب عليه؛ لأنه لا إرادة لك فيه، وإنما جرى عليك بغير إرادة.
القسم الثاني: هو ما يفعله العبد بإرادته، أي: ما يقدم عليه الإنسان بإرادته وقدرته فيفعله، فهو يتكلم بإرادته، ويمد يده بإرادته، ويمشي برجله بإرادته، ويفعل بجسمه بإرادته، فهذه الأشياء التي تقع بإرادته هي موطن التكليف والحساب.
إذاً فهنا يتبين أن الإنسان الذي يحتج بالقدر ثم يأتي ليقول: أنا مكره وأنا ملزم نقول له: لا.
يأتي وقد فعل المعصية فنقول له: هل فعلت المعصية بإكراه؟ هل أكرهك أحد عليها وأنت فعلتها؟ فيقول: قطعاً أنا الذي ذهبت إلى المعصية.
إذاً لا تلومن إلا نفسك، ولا حجة لك على ربك سبحانه وتعالى في هذا، وهكذا بقية أمور الدين.