الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
هذه الآيات هي مفتتح سورة الحج، والحج رحلة إلى الله تعالى يرحلها العباد مستجيبين لنداء العبودية لله الواحد القهار، قال تعالى:{وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ}[البقرة:١٩٦]، وإذا كانت الصلاة والزكاة والصيام عبادة فإن الحج يتميز عنها بأنه عبادة يترك من أجلها العبد البلاد والأولاد والأحباب والضيعات والأموال، ويقطع المسافات الشاسعة التي قد تمتد الآف الأميال.
إن الحج رحلة وهجرة إلى الله تبارك وتعالى، وتجرد الحاج من المخيط، ووقوف الألوف في عرفات محرمين بأرديتهم البيض من أعظم ما يذكر العباد بيوم القيامة والخروج من هذه الدنيا، ليكون هناك الحساب والجزاء بين يدي حكم عدل لا يظلم عنده أحد {وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ}[الأنبياء:٤٧].
وهذا هو المعنى الذي يربط بين افتتاح سورة الحج بالأمر بتقوى الله تعالى وتذكر زلزلة الساعة العظيمة وبين معنىً من معاني الحج الكبار كان يدركه سلفنا الصالح، أما نحن اليوم فقد صار حج كثير منا نزهة قصيرة، نطارد من خلالها الزمن لنعود إلى ما كنا عليه من لهو وعبث وغفلة، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.