ففي هاتين الآيتين بيان لقدرة الله تعالى وكماله فيها، حيث يخلق الأشياء المتنوعة المختلفة من الشيء الواحد، وهو: الماء الذي ينزل من السماء، فيخرج به ثمرات مختلفاً ألوانها، فيها الأحمر والأبيض والأصفر والأسود إلى بقية الألوان! كما خلق تعالى الجبال مختلفة الألوان، بل خلق الناس والدواب والأنعام وهي مختلفة الألوان! وهذا خلق الله لا مدخل للبشر فيه، {فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ}[المؤمنون:١٤].
ثم قال تعالى في نهاية هذه الآية:(إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ)، قال ابن عباس: الذين يعلمون أن الله على كل شيء قدير، وهذه إشارة من ابن عباس إلى أن العلم المادي إذا دل على الله تبارك وتعالى يتحول إلى علم عبادة وطاعة، أي: أن علمهم بما في الكون والأنفس، وربطهم ذلك بالله تعالى القادر هو الذي يولد الخشية لله تعالى المقتضية لعبادته وحده لا شريك له.
قال ابن عباس رضي الله عنهما: العالم بالرحمن: من لم يشرك به شيئاً، وأحل حلاله، وحرم حرامه، وحفظ وصيته، وأيقن أنه ملاقيه، ومحاسب بعمله.
وعلى هذا فأي علم لا يوصل إلى الإيمان بالله، وخشيته وعبادته، فليس بعلم في الحقيقة، قال ابن كثير في هذه الآية: أي: إنما يخشاه حق خشيته العلماء العارفون به؛ لأنه كلما كانت المعرفة بالعظيم القدير العليم الموصوف بصفات الكمال، المنعوت بالأسماء الحسنى، أتم، والعلم به أكمل؛ كانت الخشية له أعظم وأكثر.
وبهذا الميزان -أيها الإخوة! - يمكن أن توزن علوم الحضارة المعاصرة، هل قادت أصحابها إلى الإيمان بالله أم أنها ركزت في عقولهم غروراً؛ فتكبرت على ربها تبارك وتعالى، وصارت تحاربه بعلومها المادية ليلاً ونهاراً؟