[ما يهم الإنسان عند سلوكه طريق العلم والعمل]
إن العبد حين يسلك هذا الطريق -طريق العلم والعمل جميعاً- في أحواله وأقواله وأعماله فعليه أن ينتبه إلى أمرين مهمين: أحدهما: أن السفر إلى الله تعالى مقطوع به، ومدة سفر الإنسان هو عمره الذي كتب له، والأيام والليالي مراحل لسفره، فكل يوم وليلة فمرحلة من المراحل، فلا يزال يطويها حتى ينتهي السفر.
والكيس الفطن هو الذي يجعل كل مرحلة نصب عينيه، فيهتم بقطعها سالماً غانماً، فإذا قطعها جعل الأخرى نصب عينيه، ولا يطول عليه الأمل فيقسو قلبه ويمتد أمله وينشغل بالتسويف والتأخير، ولا يحزن من قلة السالكين، بل يسير على الدرب ما دام أنه على نور من ربه تبارك وتعالى، وهذا هو معنى ما كان عليه السلف من حرصهم على العمل في كل يوم وليلة، فيعملون فيهما وكأنهما آخر أيامهم من الدنيا، وهكذا.
الأمر الثاني: الحذر من الخواطر الشيطانية، وحراسة النفس من هذه الخواطر وحفظها، والحذر من الاسترسال معها؛ فإن هذه الخواطر الشيطانية أصل الفساد كله، ومن قبلها يجيء بذر الشيطان والنفس الأمارة بالسوء، فإذا تمكن من بذرها تعاهدها الشيطان يسقيها مرة بعد أخرى، حتى تصير إرادات، ثم تصير عزائم، ثم لا يزال بها حتى تثمر الأعمال المنحرفة، نسأل الله السلامة والعافية.
فلابد للعبد من دفع هذه الخواطر، وأن لا يتساهل فيها، فهي كمن يتهاون بشرارة من نار ربما تحرقه وتحرق بيته ومن حوله.
ويستعين لحفظ النفس من هذه الخواطر بعدة أمور: منها: العلم الجازم باطلاع الله تعالى ونظره إلى قلبك، وعلمه بخواطرك: {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ} [غافر:١٩].
ثانيها: حياؤك من الله تعالى أن تسترسل في هذه الخواطر التي تغضب الله تعالى.
ثالثها: إجلالك لله أن يرى مثل تلك الخواطر في بيته الذي خلق لمعرفته ومحبته.
رابعها: خوفك من الله أن تسقط من عينه بتلك الخواطر.
خامسها: خشيتك من أن يتولد من تلك الخواطر ما يهلك القلب والعمل.
سادسها: أن تعلم أن هذه الخواطر بحر من الخيال لا ساحل له، فإذا دخل القلب فيه غرق وتاه.
سابعها: أن هذه الخواطر وادي الحمقى وأمان الغافلين، أما الحقائق فهي في الآخرة عند ربك تبارك وتعالى يوم القدوم عليه.
فلابد للعبد من سير إلى ربه تبارك وتعالى، ولا بد له في أثناء هذا السير من العلم والعمل، فشمر عن ساعد الجد طلباً للعلم، وعملاً وعبادة لله وحده لا شريك له، فهذا -والله- هو عز الدنيا والآخرة، وهذا هو -والله- فرح النصر، وهذا هو -والله- دواء كل مرض يعرض على النفس.
إننا جميعاً مسئولون أمام ربنا تبارك وتعالى عن علمنا، وعن قوتنا، وعن شبابنا، وعن أعمارنا، فبماذا نحن مجيبون ربنا تبارك وتعالى؟! يا طلبة العلم! انتبهوا للأمر فإن الأمر جد، انتبهوا للأمر فإن النفس تحتاج إلى مجاهدة، يا أيها المؤمنون! اجعلوا من الدراسة ومن طلب العلم على مختلف أشكاله باباً تنطلقون منه لعبادة ربكم تبارك وتعالى، تعزون فيه دينكم، وتنشرون فيه دينكم، وترفعون فيه لواء هذا الإسلام في مشارق الأرض ومغاربها.
أيها المؤمنون! استعينوا بالله واصبروا، استعينوا بالله على طلب العلم، واصبروا على طلب العلم، استعينوا بالله واصبروا على طريقكم وسيركم إلى ربكم تبارك وتعالى.
اللهم! إنا نسألك علماً نافعاً وعملاً صالحاً، اللهم! إنا نسألك الاستقامة على دينك حتى نلقاك يا أكرم الأكرمين.
اللهم! إنا نعوذ بك من الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم! حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين.