فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم حث على الجهاد في هذه الغزوة، وأنفق الصحابة نفقة عظيمة، فقد أنفق أبو بكر في هذه الغزوة كل ماله، وأنفق عمر رضي الله عنه وأرضاه نصف ماله، وجهز عثمان بن عفان رضي الله عنه وأرضاه جيش العسرة، حتى قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم:(ما ضر عثمان ما فعل بعد اليوم)، وقال:(اللهم! ارض عن عثمان فإني عنه راضٍ)؛ لأنه جهز رضي الله عنه وأرضاه جيشاً كاملاً.
والمال لا شك أن له أهميته الكبرى في الدعوة إلى الله في كل وقت وفي كل زمان، ومن هنا فإن من أعجب ما في هذه الغزوة هو حال أولئك الذين لم يجدوا النفقة، ولم يجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يحملهم، وهم البكّاؤون الذين أتوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا: يا رسول الله! ما عندنا نفقة ولا مال، ونريد أن نجاهد معك فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم:(ولكني لا أجد ما أحملكم عليه)، كما قال الله تعالى:{وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنفِقُونَ}[التوبة:٩٢]، فانظر إلى هذه النفوس المؤمنة، وكيف كان الواحد منهم يرجع وهو يبكي، وأما رؤوس النفاق فكانت فرائصهم ترتعد، وكانوا يبحثون عن المعاذير الكاذبة خوفاً، وهؤلاء يسح الدمع من أعينهم على وجوههم لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يجد ظهراً يركبهم عليه، فشتان شتان بين المؤمنين الصادقين والمنافقين المخادعين، أسأل الله السلامة والعافية.