[التواضع وشروطه وجوانبه]
الصفة الثانية: التواضع.
والتواضع قد يفهم أحياناً على غير وجهه الصحيح، فيظن أن التواضع خمود وخضوع وفقط، وليس الأمر كذلك، التواضع: هو الخضوع للحق والانقياد له، ولو كان على نفسك.
وهو أيضاً: قبول الحق من كل من جاء به ولو كان أقل منك.
وهو أيضاً -بعد ذلك- لين الجانب وخفض الجناح.
وينبغي أن نعلم! أن التواضع مثل غيره من الأخلاق له شروط، لكن أبرزها شرطان: الأول: الإخلاص.
أي: الإخلاص لله في تعاملك، فلا تتخلق بهذا الخلق ليقال كذا، وإنما تتخلق به إخلاصاً لله.
الثاني: القدرة.
لأن الإنسان قد يتواضع قهراً، لكن يبرز التواضع ويظهر من القادر.
ثم بعد ذلك ينبغي أن نعلم أن هذا التواضع يظهر في سلوك وأخلاق المؤمنين من خلال عدة جوانب أشير إليها باختصار: الجانب الأول: التواضع الأعظم والأكبر، وهو الانقياد لما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، سواءٌ أكان في كتاب الله أم في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وهذا سمة بارزة من سمات المؤمنين برزت على يد أعلام أهل السنة والجماعة.
إذا نظرنا إلى بعض أخلاق المستكبرين ممن يقال له: ما أعدله.
ما أحسنه.
ما أفضله.
وليس في قلبه مثقال ذرة من إيمان تجد أمثال هؤلاء إذا أتى أحدهم حديث من رسول الله صلى الله عليه وسلم يستكبر، فيقول: الرسول قال هذا في عهود قديمة، وقد تغيرت العصور.
أو غير ذلك.
نقول: لا.
إن من سمات التواضع عند المؤمن أنه يسلم وينقاد لما جاء به الكتاب والسنة، وهذا تواضع.
يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فليغمسه، ثم لينزعه، فإن في أحد جناحيه داء وفي الآخر شفاء)، وكم من إنسان لا يستسلم للرسول صلى الله عليه وسلم حين يسمع مثل هذا الحديث وأشباهه، لكن المؤمن الصادق هو الذي يسلم، فقط يقول: هل صح؟ هل ثبت؟ هل جاء الدليل؟ أما ما عدا ذلك فيسلم بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم في كل أمر من الأمور ولا يعترض.
ثم إن المؤمن بعد تسليمه ينتقل إلى العمل بما جاء به كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا يعترض على الحديث النبوي بعقله ولا بذوقه ولا بقول شيخه ولا بغير ذلك، وهذا هو التواضع الذي يتسم به المؤمن، لكن تجد المستكبر يأتي ويلوك بعقله وذهنه ليرد حديثاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأين هذا من التواضع؟! بينهما فرق كبير.
الجانب الثاني في باب التواضع: تواضع المسلم مع أخيه المسلم.
فيقول عليه الصلاة والسلام: (المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يحقره ولا يخذله)، إلى آخر النصوص الواردة في هذا الباب.
إذاً تواضع المؤمن لأخيه المؤمن.
الجانب الثالث في باب التواضع: قبول الحق ممن جاء به، وهذه قضية مهمة جداً، لو فتشنا في منهج علماء الإسلام رحمهم الله تعالى لوجدنا أنهم كانوا يقبلون الحق ممن جاء به أياً كان، لكن تفتش عن حالنا اليوم فتجد -ولا حول ولا قوة إلا بالله- تغيراً، لا يقبل الحق أبداً إلا إذا جاء من طائفته، أو إلا إذا جاء من أهله، أو إلا إذا جاء من ابن جلدته أو ابن عمه، وهذا كله خلاف التواضع، المؤمن هو الذي يقبل الحق ممن جاء به، جاءك أخوك المسلم بالحق بدليله فاخضع له، وهذه من سمات أئمة أهل السنة والجماعة وأخلاقهم التي تميزوا بها في تطبيقهم العملي وسلوكهم الأخلاقي في حياتهم.
الجانب الرابع من جوانب التواضع: قبول العذر من أخيك إذا أخطأ عليك فإذا خالف لك أمراً تقبل عذره، ولا شك أن المؤمن الصادق الذي يحب لأخيه ما يحب لنفسه هو الذي يبحث لأخيه عن العذر، وذلك فيما أخطأ به عليه، لكن ما كان خطؤه للأمة فإن الإنسان يبين الحق بدليله ولا ضير في ذلك، وقد كان العلماء رحمهم الله تعالى يناقش بعضهم بعضاً، ويرد بعضهم على بعض في مسائل من العلم، ولم يكن يهجر بعضهم بعضاً، إلا إذا كان هناك سبب من بدعة أو غير ذلك.