أيها الأخ في الله! تجاه تلك القوتين -القوة العملية والقوة العلمية- كيف تجد نفسك؟ وقبل أن تضع نفسك موضعها أذكر لك أصناف الناس تجاه هاتين القوتين: فمنهم صنف تكون عنده القوة العلمية الكاشفة عن الطريق ومنازلها، وأعلامها، وعوارضها، فهو إن تحدث أو تكلم يتكلم بكلام المتبصر العالم، المدرك لحقائق الدين وحقائق عوارض الطريق في السير إلى الله تبارك وتعالى.
ولكنه ضعيف في القوة العملية، فهو يبصر الحقائق ولا يعمل بموجبها، وهو يرى المعاطب والمتالف من المعاصي والمنكرات ثم لا يتوقاها، فهو فقيه ما لم يحضر العمل، فإذا حضر العمل شارك الجهال في التخلف، وفارقهم في العلم، هذا هو الصنف الأول.
الصنف الثاني: من تكون له القوة العملية الإرادية، وتقتضي هذه السير والسلوك والزهد في الدنيا، والرغبة والتشمير في العمل، ولكنه لضعف القوة العلمية عنده يكون أعمى البصر عند ورود الشبهات في العقائد، أو الانحرافات في الأعمال والأقوال، فهو شديد الهمة، كثير العمل، ولكنه ضعيف في باب العلم، فيقع في أنواع من البدع والمخالفات، هذا هو الصنف الثاني.
الصنف الثالث: ضعيف في هاتين القوتين، فهو ضعيف العلم وضعيف العمل، فهو لكثرة القواطع وشدتها -لضعفه في هذين الأمرين- على طريقه هالك إن لم يتداركه ربه تبارك وتعالى برحمة منه، ضعيف العلم وضعيف العمل، فهو يتقلب في دنياه بين جهل وقلة عمل، قد تسلطت عليه شياطين الإنس والجن من جميع الجوانب، فهو على طريق هالك إن لم يتداركه ربه تبارك وتعالى.
الصنف الرابع: من كانت له هاتان القوتان جميعاً، فهو مستقيم في سيره إلى ربه تبارك وتعالى بعلم قوي ونور نافذ وعمل صالح دائمٍ غير منقطع إلى أن يلقى ربه تبارك وتعالى، وهذا هو الذي يرجى له الاستقامة، ويُرجى له رد القواطع والموانع التي تمنع العبد وتعيقه في سيره إلى الله تعالى، وهؤلاء هم الموفقون السائرون على منهاج السلف علماً وعملاً، جعلنا الله تبارك وتعالى وإياكم من هؤلاء، ووفقنا لسلوك طريقهم بمنه وكرمه.
هذه هي الأصناف الأربعة وضحت معالمها، فمن أيها نحن نكون أيها الأخ في الله؟! إن الأمر ليس بالأماني ولا الدعاوى، إن الأمر اجتهاد وعمل، إن الأمر تشمير في سيرك إلى ربك سبحانه وتعالى، فأنت تطلب العلم وتعمل بهذا العلم، وهكذا كان سلفنا الصالح رحمهم الله تعالى.