[المتكلمون هم سبب تسلط الملاحدة والفلاسفة والباطنية على المسلمين]
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن سار على نهجهم واهتدى بهداهم واقتفى أثرهم إلى يوم الدين.
أما بعد: فدرسنا في هذه الليلة هو بعنوان: لماذا تسلط الملاحدة والفلاسفة والباطنية على المسلمين؟ أقول: يا أيها الإخوة! إن المتأمل لقضية تاريخ عقيدة هذه الأمة وتاريخ الفرق والطوائف يجد أن هناك سؤالاً محيراً خلاصته: أن هناك حركات باطنية إسماعيلية أو قرمطية ملحدة، وهناك أيضاً فلاسفة أنكروا النبوات وقالوا بقدم العالم، وأنكروا البعث بعد الموت، إلى غير ذلك من الأمور التي هي مصادمة للإسلام وللعقيدة الإسلامية مصادمة ظاهرة.
المتأمل فيها يجد أن هذه الحركات الفلسفية والباطنية كانت تقوم على صريح الكفر والإلحاد وتعطيل الشرائع، فكيف وجدت لها موطئ قدم بل أتباعاً بين المسلمين؟! وكيف لا تمضي فترة على شهرة الفيلسوف إلا وقد صار له أتباع وتلاميذ؟! وكيف قامت الدولة الباطنية المسماة بالفاطمية وأرسلت دعاتها في مختلف أقطار العالم الإسلامي ليدعوا إلى نحلتهم، ثم بعد ذلك يجد هؤلاء الدعاة إلى ذلك المذهب الباطني من يستجيبون لهم؟ صحيح أن كثيراً من هؤلاء يستخدمون أساليب ملتوية، ويتظاهرون بالتشيع ومحبة آل البيت والرفض، ويقصدون أنواعاً من المناطق لا تخلو من وجود من يتستر بالزندقة.
أيها الإخوة! هذا السؤال الذي طرحته قبل قليل يجب أن نقف عنده وقفة، وخلاصة الأمر كيف وجد في عالمنا الإسلامي مكان لتلك الدعوات الإلحادية؟ وكيف صار لها دعاة وأتباع؟ إن الجواب على ذلك يقتضي منا وقفة مع قضية من القضايا الكبار في تاريخ العقيدة الإسلامية، ألا وهي أن نماذج المتكلمين الذين دخلوا في قضايا كلامية ومنطقية وفلسفية، ثم دخلوا في باب التأويل من أوسع أبوابه ونسبوا ذلك إلى الإسلام، إن هؤلاء كانوا من أهم الأسباب التي أدت إلى تسلط أولئك الفلاسفة والباطنية على الأمة الإسلامية.
فالفيلسوف أو القرمطي لن يجد المشقة في إقناع أتباعه بما عنده من سفسطة أو قرمطة، إذا أطلعهم على أقوال وتأويلات هؤلاء المتكلمين، وقد يكون فيهم من هو من فقهاء الأمة وأعلامها وسيجد عنده مقالات عجيبة، وتلك المقالات التي نهجها أولئك المتكلمون فتحت الطريق لأولئك الفلاسفة والقرامطة، ودخلوا من ذلك الباب وانتهى بهم الأمر إلى ما سبق ذكره قبل قليل من أقوال إلحادية كفرية لا يقبلها أحد أبداً.