للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[السمات الإيجابية في سلوك المؤمن وأخلاقه]

هناك بعض السمات التي تميز بها المؤمن في الأخلاق، ومن هذه السمات: الإيجابية والإيجابية في سلوك المؤمن هي التي تجعله يحب المتعة للآخرين، ولا يكون أنانياً لا يريد الخير إلا لنفسه، وإنما تنظر إليه فتجده دائماً يحب الخير للناس، هذه العلامة الأولى من علامات إيجابيته.

أيضاً من علامات الإيجابية البارزة فيه أنك تجده يحرص على التيسير على الناس، وهذه ناحية إيجابيه في خلق المسلم، ولا يعني ذلك أنه يتعدى الحق والدليل من أجل أن ييسر على الناس، لا، هذا عبث في دين الله لا يرضى به الإسلام.

والنبي صلى الله عليه وسلم ما خير بين أمرين إلا أختار أيسرهما، ويقول عليه الصلاة والسلام: (يسروا ولا تعسروا)، ولذلك تجد أن من منهج الإسلام في باب أصول الفقه أنه لا يقصد إلى المشقة، وبعض الناس يخطئ في هذا، ويخلط بين هذا وبين القول بأن الأجر على قدر المشقة.

هناك أمور وعبادات لا تأتي إلا بمشقة يؤجر عليها، لكن الإسلام لا يقصد أولاً المشقة، فمثلاً: حينما تريد أن تزور أخاك، وهو -مثلاً- في العلية فالإسلام لا يقول لك: اذهب واتجه إلى جهة الجنوب، ودر في الرياض دورتين ثم اذهب إلى أخيك بعد ساعة من أجل أن تكون وصلت إليه بعد مشقة، لا، وإنما تأخذ أيسر السبل في الوصول إلى أخيك، إلا ما كان من أمر فيه عبادة دعا الإسلام أو الشرع إليه، ولذلك تجد من خلق المؤمن أنه يؤثر على الناس حتى بطريقة تعامله، فالرسول صلى الله عليه وسلم ما كان فاحشاً ولا متفحشاً، فنظافة اللسان وحسن الأدب والتعامل الطيب مع إخوانك المؤمنين لا شك أنها ناحية مؤثرة، تجعل الإنسان يتأثر بسهولة وبسرعة.

أيضاً منها: أن الأخلاق الإسلامية تقوى وتتناسق عند المؤمن، حتى تكاد أن تكون من طبعه، فيصبح خلقاً ثابتاً مستقراً، ولذلك تجد أن الإنسان الذي يتربى على الصدق يصبح صدوقاً، حتى إذا حكي عنه شيء مما يتعلق بما يقول يقال: فلان لا يمكن أن يقول هذا؛ لأنه رجل صادق.

فتصير سمة بارزة معروفة عنه.

وأبو بكر رضي الله عنه وأرضاه سمي بـ الصديق، فلو جاء إليه شخص ليقول: إن الرسول صلى الله عليه وسلم فعل كذا فما تتوقع رد فعل أبي بكر؟ رد الفعل البدهي أنه سيصدق، وهكذا في بقية الأخلاق الإسلامية تتحول إلى سلوك مستمر ثابت يتميز به هذا الشخص، وهذه واضحة جداً.

ثم إن سلوك المؤمن سلوك متكامل لا يطغى فيه جانب على جانب، وهذه سمة مهمة جداً، تجد عند المؤمن الشجاعة، وتجد عنده التواضع، وتجد عنده الحياء، وتجد عنده القوة في الحق، وتجد عنده الذلة لأخيه المؤمن، فهو خلق متكامل، هذا التكامل في الخلق هو الذي يجعل الإنسان داعية إلى الله سبحانه وتعالى بأخلاقه، والرسول صلى الله عليه وسلم لما لقيه أحد الصحابة قبل أن يسلم قال: (فلما رأيت وجهه علمت أنه ليس بوجه كذاب).

إذاً هذه السمة تبرز في خلق المؤمن إذا تخلق بها.

ثم إن الحب في الله والبغض في الله يتمثل في أخلاق عديدة، في تعامل المسلمين مع إخوانهم، في إيثارهم، وإفشاء السلام لهم، والتبسم في وجوههم، والقصد في الحب والبغض.

وأحب أن أقف عند عدم المبالغة في الحب والبغض قليلاً، أقول: قد ورد في ذلك حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم جاء في صحيح الجامع الصغير، يقول فيه النبي صلى الله عليه وسلم: (أحبب حبيبك هوناً ما، عسى أن يكون بغيضك يوماً ما، وأبغض بغيضك يوماً ما عسى أن يكون حبيبك يوماً ما)، وهذا توسط، لكن بعضهم إذا أحب غالى، وإذا كره وأبغض غالى، وقد يكون هذا في إخوانه المؤمنين، لا، كن معتدلاً، ولا يكون الاعتدال إلا من التوازن في نظرتك لأخيك المؤمن، انظر إلى أخيك المؤمن بكامله، قد تجد عنده من الأخلاق الفاضلة كذا وكذا وكذا، فأحبه لأجلها، وقد تجد عنده خلقاً غير فاضل، فأبغضه من أجله، لكن بعض الناس يجعل هذا الخلق السيئ وكأن أخلاقه كلها صارت سيئة، فيبغضه بغضاً تاماً، وبالعكس قد تجد من أهل الفسق وغيرهم عنده خلق فاضل فتحبه لأجل هذا الخلق وتنسى فسقه وفجوره وأموره الأخرى.

التوازن الشرعي في هذا مطلوب؛ لأن هذا هو قاعدة الولاء والبراء، أن تحب المؤمن على قدر إيمانه، وأن تبغضه إذا كان مرتكباً لمعصية على قدر معصيته.

وحتى لا نطيل نقف عند هذا في بيان بعض هذه الجوانب.

ولا شك أن من أراد أن يكون خلقه إسلامياً أن عليه أن يجاهد نفسه بأمور: أولاً: بالعلم.

باب العلم قبل القول والعمل، فيعلم ما هي أخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم وما هي الأمور التي أمر بها فيتعلمها ويمتثلها، ثم بعد ذلك يعمل فيجاهد نفسه في الاتباع والعمل وتمثل الأخلاق، ليعلم الإنسان المؤمن أنه حينما يمتثل الأخلاق الإسلامية فإن الله سبحانه وتعالى يوفقه ويكتب له القبول.

أسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا ممن تمثل الأخلاق الفاضلة وتمسك بها قاصداً بها وجهه الكريم، كما أسأله سبحانه وتعالى أن يعيذنا من سيئ الأخلاق.

اللهم! وفقنا لما تحبه وترضاه في أقولنا وأفعالنا وأمورنا كلها.

اللهم! إنا نعوذ بك من فتنة القول وفتنة العمل.

والله أعلم.