للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الضابط في معرفة إجماع السلف]

السؤال

فضيلة الشيخ! لقد أشكل علي فهم المصدر الثالث وهو الإجماع، فهل المقصود به إجماع الصحابة أم إجماع من بعدهم حتى إجماع علمائنا في هذا العصر؟

الجواب

الإجماع يشمل العقيدة والأحكام، كانت هناك أحكام مجمع عليها في عهد الصحابة، أحكام شرعية في الصلاة والزكاة والحج والطلاق وغيرها، وكانت هناك أشياء وأمور أجمع عليها التابعون، وهناك أمور أجمع عليها العلماء في القرن الثالث، على خلاف بين العلماء في حجية الإجماع، فهذا إجماع في باب الأحكام الشرعية؛ لأن الأحكام الشرعية تقبل الاختلاف، ويختلف فيها نظر المجتهد، والصحابة اختلفوا، ومن ثم وجدت المذاهب الفقهية، فقيل المذهب الشافعي والحنبلي والمالكي والحنفي، ولم ينقطع الاجتهاد إلى عصرنا الحاضر، فلا يزال الاجتهاد قائماً لأهل الاجتهاد، فهم يجتهدون في المسائل، فإذا وقع الإجماع في أي عصر من العصور فإنه يكون حجة، ولا يجوز لأحد أن يخالفه.

القضية الثانية: الإجماع في قضايا العقيدة، قضايا العقيدة ما فيها خلاف؛ ولهذا فإن الذي يخالف في العقيدة مبتدع، ليس لنا أن نقول: هل استوى الله على العرش؟ فيها قولان: قيل: يثبت أنه استوى، وقيل: استولى! ليس عندنا هذا، ما عندنا إلا قول واحد أجمع عليه السلف ألا وهو: أن الله استوى على العرش استواء يليق بجلاله وعظمته، ومن قال: استولى أو نفى العلو فهو ظالم؛ لهذا فإنا نقول: إجماع الصحابة حتى نحتج على أهل البدع، فإن العقيدة أجمع عليها الصحابة ولم يختلفوا إلا في أمور يسيرة قابلة للاجتهاد، مثل هل رأى النبي صلى الله عليه وسلم ربه ليلة المعراج بأم عينيه أم لا؟ اختلف الصحابة في هذه المسألة، والقول الصحيح أنه لم يره بأم عينيه، والصحابي الذي قال: رآه بأم عينيه رجع عن هذا القول.

إذاً: ما أجمع عليه الصحابة في أمور الاعتقاد، وما أجمع عليه السلف الصالح يحدد فهمنا للنصوص المتعلقة بالعقيدة، وهذا الإجماع حجة؛ ولذلك لا يأتي أحد الآن ينكر قضية من القضايا المتعلقة بأسماء الله أو صفاته أو الإيمان باليوم الآخر أو الملائكة، وهي أخبار غيبية واردة وموجودة نصوصها، ولا تختلف فيها النصوص، ولا يختلف فيها الصحابة، فلا يأتي أحد في يوم من الأيام ويقول: هل في هذه المسألة أقوال، ومن ثم فإننا نقول: ما أجمع عليه الصحابة وكذلك أيضاً ما أجمع عليه السلف الصالح في القرون المفضلة الثلاثة فهو حجة، من جاء بعدهم يوزن وتوزن أقواله بأقوال هؤلاء؛ ولذلك فإننا نعتبر المخالف من أهل البدع، مثلاً: الصحابة أجمعوا على الإيمان بالقضاء والقدر، ووجد في آخر زمن الصحابة من يقول: إن الأمر أنف، لم يسبق لله فيه علم، فهل نقول: هذا فيه خلاف وليس فيه إجماع؟! الصحابة أجمعوا على الإيمان بالقضاء والقدر، وخلاف هؤلاء لا يعتد به، ومن ثم فإن هذا هو الإجماع الذي يعتمد، ثم في القرن الرابع نشأ المذهب الأشعري، أو نشأ المذهب الماتريدي، أو نشأ مذهب الكرامية، أو غيرهم من أهل البدع، فإذا جاء أحدهم يقول: أنا عندي العالم الفلاني يقول: كذا وكذا ينفي العلو أو ينفي صفة من صفات الله أو نحو ذلك، فماذا نقول له؟ أنقول له: المسألة خلافية؛ لأن القضية اختلف فيها في القرن الرابع أو الخامس، وما دام قال العالم الفلاني كذا والعالم الفلاني كذا، فالمسألة خلافية، وكل واحد له اجتهاده، ومن أصاب فله أجران ومن أخطأ فله أجر؟! لا فهذه القضية لم يختلف فيها الصحابة، أجمع عليها الصحابة وإجماعهم حجة، فنقول: ائتني بدليل أو بقول واحد من هؤلاء يقول بقول هذا العالم! ولهذا قال العلماء حتى في باب الأحكام الشرعية: إن العلماء إذا أجمعوا على عمل لا يجوز لمن بعد زمنهم أن يخالف فيه، كذلك نحن نقول: أجمع الصحابة وأجمع السلف الصالح من القرون المفضلة على هذه العقيدة وعلى فهمها الصحيح، فمن جاء في القرن الرابع أو الخامس أو السادس أو العاشر أو الرابع عشر أو الخامس عشر ليقول بقول مخالف لهذا فإننا نرد قوله؛ لأنه مخالف لإجماع السلف.

<<  <  ج: ص:  >  >>