بعد تلك المعالم الأربعة ننتقل إلى الأمر الثالث، وهو أهم قضية في مسألة القضاء والقدر، وهذه القضية هي توهم التعارض بين الشرع والقدر، فكل من انحرف في باب القضاء والقدر انحرف لأجل ما خطر بباله من وهم التعارض بين شرع الله وقدره.
فتجد الإنسان -مثلاً- يقول: لماذا يأمرني الله وقد قدر علي؟ أليس هذا هو السؤال الذي يسأله كثيرٌ من الناس؟ نقول: هذا قائم على الظن بأن هناك تنازعاً بين الشرع والقدر، والمؤمن هو الذي يسلم، فالقدر من الله والشرع من الله، قال تعالى:{أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ}[الأعراف:٥٤]، فالخلق هو القدر، والأمر هو الشرع، وإذا كان كذلك فلا يمكن أن يكون ما صدر من الله متعارضاً أو متناقضا، فالله هو الذي قدر الأقدار، وهو الذي شرع الشرائع، فهل يكون بينهما تعارض؟ نقول: لا.
ومن ثم -والحمد لله- تجد المؤمن بالله سبحانه وتعالى مؤمناً بالقضاء والقدر مسلماً به، يعلم أن كل ما يجري فهو بقضاء الله وقدره، ثم -أيضاً- تجده في نفس اللحظة مؤمناً بالشرائع، فيفعل ما أمره الله به ويشكر الله على توفيقه، ويجتنب ما نهى الله عنه، ويتوب إلى الله إذا وقعت المخالفة.
هذه حال كل المؤمنين لا نزاع بينهم، والدليل على هذا أن الإنسان في حياته مأمور باتباع الشرع، أما القدر فلا علاقة له به، القدر أمر غيبي يسلم به، لكنَّه مأمور باتباع الشرع، ودعني أضرب لك مثالاً: حين يؤذن لصلاة فريضة ما نحن صانعون؟ وأولئك الذين سيسمعون الأذان هل يعلمون ما في قدر الله أو لا يعلمون؟ الحقيقة أنهم لا يعلمون، إذاً ماذا سيصنعون؟ فلو جاء أحد مسرف على نفسه وقال: يمكن في قدر الله أني لا أصلي، ثم ذهب ونام وما صلى، فهذا إنسان لا شك أنه مخطئ؛ لأنه ما الذي يدريك أنك في قدر الله وفي علم الله تصلي أو لا تصلي؟ لماذا لا يكون في علم الله أنك تصلي؟ ولهذا تجد الإنسان دائماً يستقبل أيامه بأحداث جديدة هو يجهلها، والواجب عليه أن يسير عليها على منهاج ربه، فإذاً أمرنا الله بالصلاة فنصلي، ونهانا الله عن ترك الصلاة أو عن فعل المعاصي فنجتنبها.
وهكذا في حياة الإنسان، فهو في كل لحظة وفي كل ساعة يستقبل أمراً مجهولاً، وإذا كان يستقبل هذا الأمر المجهول فالواجب عليه أن ينظر إلى الشرع فينفذ.