سادساً: الشجاعة، فللمؤمن بالقضاء والقدر شجاعة في ساحات الجهاد وعند كلمة الحق، ولقد كانت هذه سمة المسلمين على مدار تاريخهم الطويل، كانوا أهل جهاد في سبيل الله سبحانه وتعالى يخوضون المعارك لا يخافون؛ لأنهم يوقنون أن الأمر مقدر وأن الأجل لا يتقدم ولا يتأخر، دخلت المعركة أو لم تدخلها، جاهدت في سبيل الله أو لم تجاهد، فأجلك محدد، فإذا جاء يأتيك سواءٌ أكنت في معركة، أم على فراشك، أم بين يدي الأطباء، أم بين يدي أحب الناس إليك {فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ}[الأعراف:٣٤].
فإذا تكرر هذا عند المؤمن تحول إلى إنسان مقدام لا يخاف؛ لأنه يعلم أن الأجل مقدر، ولأنه يوقن أن الرزق مكتوب، ولأنه أيضاً يؤمن إيماناً تاماً أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوه بشيء لم ينفعوه إلا بشيء قد كتبه الله له، ولو اجتمعوا على أن يضروه بشيء لم يضروه إلا بشيء قد كتبه الله عليه، رفعت الأقلام وجفت الصحف، كما قال ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يوصي عبد الله بن عباس.
ولهذا تجد مواقف المؤمنين أمام الطغاة وأمام الظلمة يواجهونهم بالحق لا يخافون في الله لومة لائم؛ لأنهم يعلمون أن هؤلاء لا يملكون من أنفسهم شيئاً فضلاً عن أن يملكوا من غيرهم شيئاً.
فهذا موسى عليه الصلاة والسلام واجه فرعون الطاغية الذي كان يقول:(أنا ربكم الأعلى).
وكان معه الجنود المجندة بالألوف المؤلفة، ومع ذلك نصره الله سبحانه وتعالى ونجاه، وأغرق الله فرعون وقومه وهو ينظر.
ففي ميزان الماديات موسى ضعيف وفرعون ذو سلطان قاهر، لكن في ميزان الله سبحانه وتعالى نصر الله موسى وقومه وأذل فرعون وقومه.
وهذا خالد بن الوليد البطل الشجاع الذي خاض المعارك كلها كيف كانت وفاته؟ كانت وفاته على فراشه، وقال كلمته المشهورة: خضت أكثر من مائة معركة، وما في جسمي موضع أربعة أصابع إلا وفيه ضربة بسيف أو رمية بسهم أو طعنة برمح، وهاأنذا أموت على فراشي كما يموت البعير، فلا نامت أعين الجبناء.
هذا هو الإيمان بالقضاء والقدر، يؤتي الإنسان شجاعة في الحق، ويجعله لا يخاف.