يظن بعض الناس أن الدعوة إلى منهاج السلف الصالح ما هو إلا نوع نكوص إلى الماضي، وخروج من الواقع الصعب الذي تعيشه الأمة الإسلامية، فيأتي بعض هؤلاء ليقول: إن هؤلاء الذين يدعون إلى منهاج السلف الصالح يريدوننا أن نعود إلى القرون الماضية، ويريدون منا أن نتخلى عن حياتنا المعاصرة، ثم هم أيضاً لديهم ناحية نفسية خلاصتها أنه حين يعيش في أزمته الحاضرة يحاول أن ينكص إلى الماضي ويرجع إليه ليتسلى بالماضي فقط.
هذه الفكرة خطأ جسيم إن كانت من إنسان صادق، وإلا فهي ضلال وإضلال من أولئك الدعاة إلى محاربة منهاج السلف الصالح رحمهم الله تعالى، ولهذا فإننا نقول: إن المطالبة بالعودة إلى منهاج السلف الصالح إنما هو عودة إلى تأصيل المنهج العقدي للأمة، وهذا لا خيار فيه لها، فالرسول صلى الله عليه وسلم أمر باتباع سلف الأمة، وقبل ذلك أمر الله بطاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، والرسول يقول:(عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي)، وهذا الأمر بالتزام سنته وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعده ليس نكوصاً إلى الماضي، وإنما هو عودة إلى ثوابت وأصول وجذور هذا الدين وهذه العقيدة التي لا تتغير مهما اختلف الزمان والمكان، وهذا هو الدعوة إلى منهاج السلف الصالح.
إذاً الدعوة إلى منهاج السلف الصالح تقوم على الدعوة على تلك الأصول الثابتة التي لا تتغير بتغير الزمان والمكان، فعندما ندعو إلى عبادة الله وحده لا شريك له إنما ندعو إلى منهج لا يتغير مهما اختلفت الظروف والأحوال، فالذي يطير في الطائرة أو في الصاروخ يجوب الفضاء أو يتعامل مع أدق الإلكترونيات والمخترعات العلمية وغيرها هذا هو نفسه مثل ذاك الذي يحلب الإبل ويشرب من ألبانها ويركبها، فالعبادة لله وحده لا شريك له لا تتغير مهما تغيرت الظروف والأحوال، فالدعوة إلى منهاج السلف الصالح رحمهم الله تعالى ليست دعوةً إلى أن نرجع إلى الماضي، وإنما هي دعوة تأصيلية لأن تكون تلك الثوابت العقدية والتشريعية وغيرها كما عاش بها سلفنا الصالح نعيش بها نحن أيضاً، ومن ثم فإن التقدم الحضاري المادي مطلوب بشرط أن يضبط وأن لا يتعارض مع تلك الثوابت، وهذا الذي فعله المسلمون من خلال تعاملهم مع مستجدات عصورهم لما اتسعت فتوحاتهم في مشارق الأرض ومغاربها، ولهذا فإن هذه القضية التي نطرحها هي قضية فكرية طالما طرحها دعاة الفكر الغربي والعلماني والقومي وغيرهم حينما يفسرون العودة إلى الأصول وإلى منهاج السلف الصالح بأنه نكوص، وأحياناً يسمونها رجعية، لكن أظن أن الحقيقة قد وضحت، فالعودة إلى منهاج السلف الصالح هي عودة تأصيلية لثوابت، أما متغيرات الحياة فلا، فإن متغيرات الحياة مطلوبة، بل ربنا سبحانه وتعالى يقول للمؤمنين وهو يبني فيهم روح الجهاد:{وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ}[الأنفال:٦٠](قوة) نكرة {مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ}[الأنفال:٦٠]، وعليه فواجب على الأمة أن تتقوى من جميع الجوانب، والقول بأن الدين يعارض العلم والتقدم العلمي هذه المقالة أظنها أصبحت مقالة قديمة كما يعبرون أحياناً، ولا أظن أن أحداً الآن يناقش في هذه القضية، منذ السنين الطويلة لما هجم الاستعمار الغربي والتبشيري النصراني على العالم الإسلامي -وهو لا يزال- كان في أول هجومه يتهم الإسلام بأنه عدو العلم والتقدم وغير ذلك، لكن قتلت هذه القضية بحثاً فأصبحت هذه القضية مما لا يحتاج إلى نقاش، فهذا الإسلام لا يتعارض مع العلم أبداً؛ لأن الكل من عند الله سبحانه وتعالى، لكن هذا الإسلام وهذه العقيدة والشريعة تضبط العلم، والحضارة الغربية لما تقدمت بدون ضابط صارت حالتها إلى ما نحن نشاهده هذه الأيام، ونحن ما تقدمنا علمياً ولا تقدمنا في مناهجنا وأصولنا وثوابتنا، فأصبحنا على هذه الحالة التي هي حالة أقل ما يقال فيها أنها حالة يرثى لها، والله المستعان!