[المغني الصومالي الذي تاب إلى الله]
أما المثال الآخر فهو لشخص معاصر لنا يعيش الآن في مدينة الرياض، وهو من بلد الصومال، كان هذا الرجل مطرباً مغنياً في بلد الصومال، وبلغ في الطرب والغناء شأواً بعيداً، حتى إنه كان يقيم حفلات لرئيس الصومال السابق زياد بري وأولاده ووزرائه، وصار مطرباً مشهوراً على مستوى الصومال من أوله إلى آخره، وكان يقيم الاحتفالات بأغلى الأثمان، فأصبح من الشباب الذين اجتمع لهم الجاه والشهرة والمال والعلاقات مع كبار القوم، واستمر على ذلك ردحاً من الزمان، لكن هل وجد في هذه الأشياء الراحة والسعادة؟ كان بداية أمره أن تزوج، وكان نساء الصومال من أولهن إلى آخرهن يتمنين هذا الشاب للصوت الجميل، والمطرب المؤثر على مستوى الدولة تتمنى كل واحدة أن يكون زوجها، لكنه تزوج من إحدى قريباته، يقول: فلما تزوجت كنت أظن أن هذه الفتاة التي تزوجت بها ستكون أسعد الناس.
يقول: وتم الزواج، ثم بعد ذلك كنت أذهب لأحيي بعض الحفلات، ثم بعد أن أكون نلت الشهرة والمال والتصفيق أرجع إلى عروسي وإلى بيتي لأنعم معها بذلك الرضا وتلك الشهرة، يقول: فكنت إذا أقبلت عليها أنتظر منها أن تستقبلني بما أنا أهله وبفرح؛ لأنني أوقن أن كل فتاة تتمنى أن يكون هذا الشاب زوجاً لها، نعم هي تستقبلني استقبالاً طيباً، ولكنني لا أجد فيها الفرح الذي أظن أنني أعطيتها إياه بهذه الشهرة والمكانة والمال ونحو ذلك، يقول: وشيئاً فشيئاً إذا بي أحس أنها غير مرتاحة، وليست غير مرتاحة لسبب سوى سبب واحد، وهي أنها غير مرتاحة لهذا الأمر، فلم تزل به شيئاً فشيئاً حتى تاب إلى الله تبارك وتعالى، وترك الشهرة والمال والجاه والطرب.
فقد يكون الواحد منا ليس عنده جاه ولا عنده مال، فيقول: من أنا؟! سيان التزمت أو لم ألتزم! نقول: أنت الرابح على كل حال.
ولكن قد يوجد نموذج مثل هذا، اجتمعت له القمة التي يسعى إليها بعض الناس فيبيع لأجلها دينه ليرقى إلى الشهرة، أو يرقى إلى المال، أو يرقى إلى الجاه، ولكن هذا النموذج يبيع هذه كلها في سبيل الله تبارك وتعالى.
إذاً هو نموذج يقصر عليك الطريق يا أيها الشاب، يا من لك طموحات، قد تنظر إلى لاعب بلغت شهرته الآفاق، أو مغن يحضر حفله الألوف، أو رجل مشهور تتحدث عنه الصحف ووسائل الإعلام، فتقول: ما أحسن هذه الشهرة! نقول لك: يا أيها الشاب المتبصر! تمعن في الأمر، هل هذا الذي اشتهر به يقربه إلى الله؟ هذا هو المقياس الحقيقي، فاختصر الطريق، وخذ العبر والدروس من هذه الحياة، وانظر إلى غيرك، واعرف ما هي الأشياء التي تجلب السعادة الحقيقية، وما هي الأشياء التي تجلب الشقاء وغضب الجبار جل جلاله، ولتكن صاحب عين وبصيرة.
هذا الشاب تاب إلى الله وترك الجهل، حاولوا معه حتى قبل أن يجري على الصومال ما جرى، ولكنه ترك ذلك، ثم قدم إلى هذه البلاد المباركة ليعيش فيها عيشة هنية، وهو في الرياض اليوم، ومعه خمسة أولاد أربع بنات وابن واحد، ويسكن في بيت صغير.
والرجل فقير كما أعلم من حاله، لكنه يقول لي بالحرف الواحد: والله إني -والحمد لله- في سعادة ليس فيها أحد، اثنان من أولادي حفظا القرآن الكريم كاملاً، وثلاثة منهم الآن في طريقهم إلى حفظه.
ومع ذلك فإن عليه ضغوطاً نفسيةً، يقول: أحياناً يأتيني الشيطان فيذكرني بما كان لي من جاه.
الشيطان حريص على كل إنسان، وخاصة مثل هذا؛ لأن الشيطان يجد لديه تاريخاً يحييه، فالشيطان يحاول أن يحيي لأصحاب المعاصي تاريخهم، فهو يوسوس للشاب الذي تاب إلى الله، ويقول له: تذكر السهرة الفلانية، تذكر كذا، تذكر كذا.
فلابد أن يتغلب الشاب على هذه الوسوسة ويصرفها بسرعة ويتقي الله سبحانه وتعالى ويعود إلى ربه ويبادر إلى العمل الصالح، لا أن ينساق مع الوسوسة من شياطين الإنس وشياطين الجن.
يقول لي هذا الرجل: فأحياناً تأتيني الوسوسة تذكرني بالمال وأنني الآن فقير، تذكرني بالجاه حين كان رئيس الجمهورية وأولاده يتصلون بي.
مَنْ مِنَ الناس يتصل به؟ رئيس الجمهورية وأولاده والوزراء وغيرهم! يقول: فكلما كثرت الوساوس أذهب لأقرأ قصة مصعب بن عمير.
ونحن نعرف قصة مصعب بن عمير، ذلك الشاب الذي كان أنعم شباب مكة، فلما أسلم حرمته أمه وأهله المال، فصار فقيراً جداً، وكان أول داعية إلى الله في المدينة النبوية، واستشهد رضي الله عنه وأرضاه، فلما استشهد لم يجدوا له كفناً إلا بردة قصيرة إذا غطوا بها رأسه بدت رجلاه، وإذا غطوا بها رجليه بدا رأسه، فقال صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقد وقف أمامه: (لقد رأيتك بمكة وما بها أحدٌ أرق حلةً ولا أحسن لمةً منك، ثم أنت شعث الرأس في بردة)، ثم أمر به أن يقبر، وأمر بأن يغطى بها رأسه وأن يوضع على رجليه من الإذخر.
يقول هذا الرجل -أسأل الله أن يثبتني وإياكم وإياه-: إذا جاءتني الوساوس ذهبت إلى قصة مصعب بن عمير فتذهب عني الوساوس.
مصعب بن عمير ترك الدنيا من أولها إلى آخرها، لكن بقي له أنه صحابي جليل، أنه الداعية الأول إلى المدينة، أنه الشهيد في سبيل الله الذي شهد له الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم، لكن انظر إلى أهل الفساد في الأرض بعد أن انتهت الشهرة وانتهى المال وغيره، ماذا بقي لهم؟ لم يبق لهم إلا التاريخ الأسود والذنوب والأوزار؛ لأنه إذا عمل ذنباً انتشر هذا الذنب، فعليه وزره ووزر من عمل به إلى يوم القيامة؛ فإن المطرب أو المغني يأتي بكلمات مبتذلة فيها دعوة إلى الفحش والتفحش، ثم بعد ذلك تحفظ هذه الأغنية، فكل من تأثر به وضل فعليه وزره إلى يوم القيامة.
إذاً ينبغي أن يكون جوابناً ونحن نواجه هذه التحديات المتنوعة -وعلى رأسها التحديات الفكرية والعقدية والأخلاقية الموجهة إلينا نحن الشباب- ينبغي أن يكون جوابنا هو أن نقول لهم: (الجواب ما تراه لا ما تسمعه)، وقد عرفت تفاصيل هذه الكلمة وأنها الجواب العملي الذي يجيب به الملتزم.