الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أما بعد: فهذا الدرس هو بعنوان: (الجواب ما تراه لا ما تسمعه)، وهذا العنوان له قصة، ولكن قبل أن أسوقها أقول: إن الناظر في أحوال المسلمين اليوم يجد أمرين: أحدهما: أن الإسلام الذي أكرمنا الله تبارك وتعالى به وأنعم به علينا أعظم نعمة هو دين الله الحق الباقي الذي لا يقبل من أحد ديناً سواه بعد بعثة محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، وهو الذي ترتفع رايته اليوم في مشارق الأرض ومغاربها على رغم أنف أعداء الدين كلهم.
ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أخبرنا وبشرنا بأن هذا الدين سيبقى إلى آخر الزمان، وسينتشر في الأرض حتى يبلغ ما بلغ الليل والنهار، فلا يبقى بيت وبر -شعر- ولا مدر -طين- إلا دخله هذا الدين العظيم بعز عزيز أو بذل ذليل.
وهذه حقيقة كبرى نلمسها ونعلمها ونوقن بها، ونحمد الله تبارك وتعالى ليلاً ونهاراً سراً وجهاراً، نحمده -وهو للحمد أهل- ونشكره تبارك وتعالى على أن مَنَّ علينا بنعمة الإسلام فأصبحنا مسلمين، لسنا يهوداً ولا نصارى ولا وثنيين، بل حنفاء مسلمون لله تبارك وتعالى، وتلك نعمة لا يمكن لأحد أن يعرف قدرها وعظمتها.
أما الأمر الثاني فهو أنه في مقابل ذلك -أعني في مقابل ما عرفناه من أن دين الله الإسلام هو الدين الحق- أننا نرى حرباً موجهة إلينا نحن -المسلمين- وموجهة إلى ديننا العظيم بشتى أنواع الوسائل، فقد استخدم فيها أعداء الله وأذنابهم كل ما يملكون من قوى ووسائل إعلامية وغير إعلامية لحرب المسلمين وصدهم عن دين الله تبارك وتعالى، وهذا أمر لا أظن أحداً منا يشك فيه.
فهي حرب عقدية بمختلف وسائل الإعلام، وأخص منها تلك الوسائل التي تأتي من فوق من خلال الذبذبات والأطباق لتدخل قعر بيوت المسلمين المؤمنين لتشككهم في دينهم وعقيدتهم.
وهي أيضاً حرب أخلاقية مركزة على شباب المسلمين وعلى المرأة المسلمة وعلى الأسرة المسلمة وعلى الطفل المسلم، حرب تريد أن تغير في نفوسنا معالم ما أكرمنا الله به من الإيمان والغيرة على دين الله والغيرة على محارم الله تبارك وتعالى، حرب تريد أن تنزع من نفوسنا وقلوبنا هذه الغيرة، فنرى المنكر وربما يقع فيه بعضنا ولا تتحرك فيه هذه الغيرة؛ لأن تلك الوسائل صارت تدق كل ليلة على وتر الفساد الأخلاقي والعري والرقص والغناء ومختلف وسائل الإفساد، ليخرج في النهاية شباب أو مجتمع نزعت منه الغيرة، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول:(إن الله يغار)، وهو أيضاً صلى الله عليه وسلم يغار، والمؤمن أيضاً يغار على محارم الله حين تنتهك.
وهي أيضاً فوق كونها عقدية وأخلاقية هي حرب فكرية متنوعة موجهة إلى مختلف أصناف المجتمع، يريدون منا أن نتخلى عن ديننا وننحرف عنه ولو شيئاً فشيئاً، وأعداء الله تبارك وتعالى لا يمكن أن يكلوا ولا أن يتركوا ما هم فيه من كيد لدين الله تبارك وتعالى؛ لأن الصراع بين الحق والباطل سنة ربانية، بل ربنا تبارك وتعالى يقول في كتابه العزيز:{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا}[الأنعام:١١٢]، فالنبي الموحى إليه من عند الله جعل الله له عدواً؛ لأن الصراع بين الحق والباطل لا بد منه، ومن هنا فنحن لا ننتظر ولن ننتظر من أعدائنا في الشرق والغرب ومن أذنابهم من العلمانيين والحداثيين وغيرهم، لن ننتظر منهم إلا أن يسلكوا هذا المسلك الذي سلكوه، وهو أن يستغلوا ما أوتوا من قوى وقدر لحرب الإسلام وصرف المسلمين عن دينهم، ونحن لا ننتظر غير ذلك.
لكن يبقى السؤال الكبير: كيف نقف أمام هذه الحرب المتنوعة مع علمنا بالحقيقة الأولى، وهي أن دين الإسلام حق وباق ومنصور ومن تمسك به فهو الغالب؟ كيف نواجه هذه الحرب المتنوعة؟