للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[طوائف المتوهمين]

إذاً هل هناك صراع بين القضاء والقدر وبين الشرع؟

الجواب

لا صراع.

ولهذا تجد أن الذين انحرفوا في هذه القضية -قضية التعارض بين الشرع والقدر- انحرفوا وانقسموا إلى أقسام، فقسم منهم مال إلى القول بحرية الإنسان حتى يقول: إن الشرع والأمر به صحيح، كما ذهب إليه المعتزلة وقالوا: الإنسان حر.

ومثلهم أصحاب مذاهب الحرية في العصر الحديث وغيرهم الذين يقولون: إن الإنسان حر تماماً.

وأخطر ما في هذا المذهب أنه يؤدي بالإنسان إلى الانسلاخ من الشريعة؛ لأن الإنسان إذا كان حراً عن قدر الله سبحانه وتعالى فهو أيضاً حر عن شرع الله، وإذا آمن الإنسان بقضاء الله وقدره وربوبيته على الخلق أجمعين آمن بأن الذي يملك هذا هو الذي شرع، فتجب طاعته في الشريعة.

ومن هنا تجاوز هذا الانحراف في فهم هذه القضية إلى أن قالت طائفة بالحرية المطلقة للإنس، وقابلتهم طائفة أخرى فقالت بالجبر، أي أن الإنسان مجبور، وهؤلاء الذين قالوا بالجبر قوم قالوا به وأضافوا إليه القول في الإرجاء في مسألة الإيمان، فأدى بهم هذا إلى الانسلاخ من الشريعة.

لأنه يقول لك: إنَّه مجبور.

كما يصنع أولئك الذين يحتجون بالقضاء والقدر، فإذا وقع في معصية قال: يا أخي! هذا مكتوب علي.

نقول له: هي مكتوبة عليك لكن أنت فعلتها.

فالاحتجاج بالجبر احتجاج باطل؛ لأن الإنسان لا يستطيع أن يحتج به في جميع أحواله، ولهذا تجد الإنسان مع الناس قدري لا يؤمن بالقدر ومع الله جبري، هذا الإنسان المنحرف إذا اعتدى أحد على ماله أو ضربه أو اعتدى على عرضه وقيل له: هذا بقضاء الله وقدره أبى وقال: لا.

بل هذا مجرم، هذا فعل كذا وكذا فيستحق العقوبة، ويجب أن يعاقب.

أليس الإنسان يقول هذا؟ بلى.

فإذا قيل له: هذا بقضاء الله وقدره قال: لا.

ما علي من قضاء الله وقدره، هذا الذي فعل هذه الخطيئة أو هذا الذنب فأخذ مالي أو ضربني أو اعتدى على ولدي أو أهلي أو غير هذا يستحق العقوبة.

فانظر إليه لا يحتج بالقدر مع أن الذي جرى هو بقضاء وقدر! فإذا ما جاءت القضية بينه وبين ربه سبحانه وتعالى اعترض وقال: قدر الله علي، فكيف يعذبني.

فلماذا فيما بينك وبين الله تكون جبرياً معترضاً على قضاء الله وقدره وفيما بينك وبين الخلق تأبى، ولو قيل لك: إن هذا بقضاء الله وقدره ما رضيت، وإنما تقول: يجب أن يعاقب هذا المجرم.

نقول أيضاً: أنت تستحق العقوبة؛ لأنك فعلت ما فعلت بإرادة منك وبقدرتك، ومن ثم أدت هذه المقالة -وهي قضية الانحراف في مسألة التعارض بين الشرع والقدر التي يظنها بعض الناس- أدت ببعض الطوائف مثل الصوفية إلى أن صاروا مع القدر حيث صار، أدى بهم الجبر -نسأل الله السلامة والعافية- إلى أن صاروا مع القدر حيث صار، حتى إنه إذا انتصر المسلمون قالوا: رضينا بانتصارهم لأن هذا من قدر الله.

وإذا انتصر الكفار قالوا: رضينا بانتصارهم لأن هذا من قدر الله.

وإذا وقع الكفر والفواحش قالوا: رضينا بها لأنها من قدر الله.

فتأمل هذا الإلحاد والخروج عن شريعة الله سبحانه وتعالى ما الذي سببه؟ سببه الميل إلى الجبر الذي أدى بهم إلى إنكار الشريعة.

ومن ثم فإننا نجد توهم التصادم بين الشرع والقدر هو الذي أدى بالكثير إلى نوع من الاضطرابات النفسية التي نراها ممن تسلط عليهم الشيطان فاحتجوا بالقدر على معاصيهم ولا حجة لهم، إذاً هذا الاعتراض في قضية علاقة الشرع بالقدر هذا الاعتراض هو الذي قد يؤدي ببعض الناس إلى الاحتجاج بالقدر، ونحن نقول: إن الذي يحتج بالقدر على المعاصي لا حجة له لأمور: أولها: أن الإنسان فعل ما فعل بإرادته ومشيئته، فهو غير مكره، والله قد أقام عليه الحجة.

الثاني: أننا نقول لهذا الإنسان الذي فعل المعصية واحتج بالقدر عليها نقول له: هل تحتج بالقدر في جميع أمورك؟ فلو جاء أحد واعتدى على مالك المفترض أن تقول له: هذا بقضاء الله وقدره.

فهل تصنع هذا؟ هو لا يصنع هذا.

ثم نقول: لو أتانا وقال: إنني فعلت المعصية وهي مكتوبة علي فهي مقدرة نقول له: وماذا أنت صانع بعد الآن؟ هل تعلم ماذا في قدر الله؟ أليس من الممكن أن يكون في قدر الله أنك تتوب إلى الله وتعود إليه وتعمل الصالحات وتكون من المؤمنين؟ افعل هذا فستجد أن في قدر الله أنك من المؤمنين المتقين، لكن إذا اعترض وقال: تبين أن الله ما يريد لي الهداية.

ثم أسرف على نفسه ومشى في العصيان نقول له: لا حجة لك.

<<  <  ج: ص:  >  >>