للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[نصيحة لفاقد والديه]

السؤال

ما رأيكم في شاب فقد أحبابه أباه وأمه، بل نشأ وهو لا يعرف أباه ولا أمه، فيرجو أن توصيه بوصية تقع في قلبه موقعاً يستفيد منها في بقية حياته؟

الجواب

أقول لك ولغيرك ممن ابتلاه الله بمثل ما ابتلاك به أو بجزء منه: إنَّ الكثير منهم من فقد أباه ومنهم من فقد أمه، والله سبحانه وتعالى أرحم بهم من الوالدة بولدها، لكنَّه سبحانه وتعالى يبتلي عباده ويمتحنهم ليكون هذا الابتلاء والامتحان خيراً للمؤمنين.

والذي أوصيك به -يا أخي- هو ثلاثة أشياء: أولها: الرضى بالقضاء، وأن توقن أن هذا مكتوب عليك قبل أن تخلق فلا تتحسر؛ لأنك لم تعرف أباك أو أمك، بل ارض بما قدر الله سبحانه وتعالى لك، واعلم أن الله رحيم بك قريب منك حينما تكون من أهل الخير والطاعة.

الأمر الثاني: أن تعلم أن الدنيا فانية وأن الآخرة هي دار الحيوان، فالدنيا أحزان وأكدار، فمن الناس من ضحكت له الدنيا وازدهرت عنده شرفاً وجاهاً ومالا وإذا بالأقدار تخطفها منه أو تخطفه منها في لحظة عين، هذه هي الحياة، ولو فتشت -يا أخي- عن أحوال الناس لوجدت كل بيت من البيوت فيه ابتلاء وامتحان، فلو خيرت لاخترت ما أنت عليه.

فالإنسان قد ينظر أحياناً إلى بعض الناس أو بعض البيوت -مثلاً- فيقول: سبحان الله! ما أسعدهم! ما أحسن أحوالهم! سيارات وأموال.

لكن فتش عنهم، وادخل داخل البيت ستجد هذا البيت قد ابتلي ببلية أو بمصيبة لو قيل لك: نعطيك الدنيا كلها وتحمل معك هذه المصيبة لما قبلت ذلك.

فأنت أنعم الله عليك بنعم عظيمة جدا لا تعد ولا تحصى، ولهذا دعني استطرد قليلاً وأسألك سؤالاً واحداً وأقول: لو جاء أعمى غير مبصر وقال لك: أنا عندي مليار ريال أو عشرة مليارات أريد أن أعطيك إياها وآخذ إحدى عينيك فهل أحدٌ يقبل هذا العرض؟ إذاً أنت بعينك هذه تملك أكثر من عشرة مليارات، فكيف بنعمة السمع والبصر وغير ذلك؟ إذاً أنت بنعم عظيمة، فلماذا يصبح عندك هذا الحصار في قلبك تنظر إلى الناس بهذه النظرة؟ لهذا سأقول لك: يا أخي! اعلم أن الدنيا أحزان وأكدار، والبيوت أسرار، وهي مملؤة بأحزانها وأكدارها، فارض بما قسم الله لك، فلربما لو قست نفسك على غيرك لوجدت أنك أحسن من كثير من غيرك، لهذا أقول: اعرف قدر الدنيا.

ثم أقول لك ثالثاً: انظر إلى الآخرة، واعمل في الدنيا، فكما أنك فقدت أبويك فابحث عن زوجة صالحة، فلعل الله سبحانه وتعالى يجعل فيها خيراً ويرزقك الولد لتعيش حياة ملؤها الرضا، ومن ثم فاجعل طريقك طريق خير تسير فيه على شرع الله سبحانه وتعالى؛ فإن الله سبحانه وتعالى إذا علم منك حسن الإيمان بقضائه وقدره عوضك خيرا في الدنيا وفي الآخرة.

لهذا فالتفت إلى الآخرة، فانظر إلى ما بعد الموت، فتلك الحياة الحقيقية والسعادة الحقيقية.

هذه هي الأمور الثلاثة التي أحببت أن أذكرك بها.

فاعمر حياتك ومستقبل حياتك بطاعة الله، والله يعوضك عما فقدت بزوجة وأولاد صالحين إن شاء الله تعالى تعيش معهم حياة إيمانية رخية.

وأمامك أيضاً ما عند الله سبحانه وتعالى وما أعد لأهل النعيم من أهل الخير.

أسال الله سبحانه وتعالى أن يجعلني وإياك جميعاً ممن يسعد يوم القيامة.

وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

<<  <  ج: ص:  >  >>