إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد: أيها الإخوة المؤمنون! بعد أيام قليلة ينهي أبناءنا عامهم الدراسي بإنهاء الامتحانات وظهور النتائج، ولست بحاجة إلى التنبيه إلى ذلك، والوصية به؛ لأن البيوت مهتمة بهذا الأمر بما لا نزيد عليه، ودواعي الاهتمام المادية والمعنوية لدى الطلاب وأهلهم متوافرة، فنتائج الامتحانات تترتب عليها أمور كثيرة معروفة، وهذا الاهتمام مطلوب ولا اعتراض عليه، وكثيرٌ ما يقبل الدعاة إلى الله والموجهون في مثل هذه المناسبة إلى عقد مقارنة صحيحة وعظيمة ومهمة بين امتحان الدنيا ونتائجه، وامتحان الآخرة ونتائجه.
وامتحان الآخرة سيقع على الجميع، المتعلم وغير المتعلم، الكبير والصغير، العامي والجاهل، الذكر والأنثى، بل يتعدى ذلك إلى الحيوانات كما أخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل إنه سيشمل المتمردين والمنكرين لذلك الامتحان، وسيقف الجميع بين يدي الله تبارك وتعالى للحساب والجزاء، حسابٌ وميزان توزن فيه مثاقيل الذر، {وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ}[الأنبياء:٤٧].
وينتهي هذا إلى الجزاء الحاسم الذي لا مفر منه {فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ}[الشورى:٧]، ولا ثالث لهما مطلقاً.
ووالله! إنه لا مقارنة بين الامتحانين، ويكفي في الامتحان الثاني أن نشير إلى ما ثبت في حديث الشفاعة العظمى لطلب فصل القضاء بين العباد، حين يحول كل نبي المسئولية إلى أخيه، ويقول -ويا لهول تلك المواقف! -: (إن ربي قد غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله)، إنه غضب الجبار تبارك وتعالى لا غضب المخلوقين، وهو غضب خاص في ذلك اليوم، فأنى لنا -نحن المساكين- أن نقف، وأن نواجه ذلك الامتحان العظيم، ذلك الامتحان الذي ليس بين أي واحد منا وبينه إلا أن يقال: فلانٌ مات، وما أكثر أسباب الموت في كل زمان، وخاصة في هذا الزمان.