و (لا إله إلا الله) تقتضي أول ما تقتضي أمرين متلازمين لابد منهما: أما أحدهما فهو أن ينفي الإنسان أي نوع من أنواع العبادة لغير الله تعالى، فلا يصرف أي نوع من أنواع العبادة، سواء أكانت صلاة أم نذراً أم حباً أم خوفاً، أم توكلاً أم دعاءً أم استغاثة أم استعاذة أم توسلاً أم غير ذلك، لا يصرف أي نوع من هذه الأنواع لأي مخلوق من المخلوقات، سواء كان ذلك المخلوق ملكاً، أم نبياً، أم ولياً، أم رجلاً صالحاً، أم نجماً، أم حجراً، أم شجراً، أم غير ذلك.
وهذا الأمر لا يتم إلا بالأمر الثاني، ألا وهو أن يصرف أنواع العبادة كلها لله وحده لا شريك له، فهما ركنان دلت عليهما هذه الكلمة (لا إله إلا الله)(لا إله) نفي.
(إلا الله) إثبات، فهي تنفي صرف أي نوع من أنواع العبادة لغير الله، ثم تثبت تلك الأنواع كلها لله وحده لا شريك له.
(أقم وجهك للدين حنيفا) بعبادة الله وحده لا شريك له، والبراءة والبعد من الشرك وأهله.
ومن هنا فإن هذه الكلمة تقتضي ما ذكرناه سابقاً، وذلك بهذين الركنين العظيمين مع لوازم وشروط (لا إله إلا الله) المعروفة.
علم يقين وإخلاص وصدقك مع محبة وانقياد والقبول لها هذه الشروط السبعة إذا تكاملت عند المؤمن علماً وعملا فإنه -والحالة هذه- يكون قد حقق هذا التوحيد العظيم.
ولكن ينبغي أن نعلم أن مقتضى شهادة التوحيد (لا إله إلا الله) الذي ذكرناه سابقاً يلزم منه أمر مهم جداً، ألا وهو البعد عن الشرك بجميع أنواعه، ولهذا يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز:{وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ}[النحل:٣٦] أي: وحده لا شريك له {وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ}[النحل:٣٦] أي: بجميع أشكاله وصوره.