[صور من أخوة الأنبياء فيما بينهم]
لقد علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه وسلم كيف تكون مدرسة الأنبياء واحدة، وهذه وقفات نقفها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وإخوانه من الأنبياء: أولاً: روى البخاري في صحيحه عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يجيء نوح وأمته فيقول الله تعالى له: هل بلغت؟ فيقول: نعم أي رب! فيقول لأمته: هل بلغكم؟ فيقولون: لا ما جاءنا من نبي، فيقول لنوح: من يشهد لك؟ فيقول نوح: محمد صلى الله عليه وسلم وأمته، قال صلى الله عليه وسلم: فنشهد أنه بلغ، وهو قول الله جل ذكره: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} [البقرة:١٤٣])، فآخر نبي وأمته يشهدون لأول الرسل نوح أنه بلغ الرسالة، وأدى الأمانة.
ثانياً: لقد كان صلى الله عليه وسلم يدافع عن إخوانه الأنبياء، ويبرئهم مما رموا به، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (دخل النبي صلى الله عليه وسلم البيت -أي: الكعبة- فوجد فيه صورة إبراهيم وصورة مريم، فقال صلى الله عليه وسلم: أما هم فقد سمعوا أن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه صورة، وهذا إبراهيم مصور، فماله يستقسم؟!) رواه البخاري.
وفي رواية أخرى له أن النبي صلى الله عليه وسلم لما رأى الصور في البيت لم يدخل حتى أمر بها فمحيت، ورأى إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام بأيديهما الأزلام فقال: (قاتلهم الله! والله! إن استقسما بالأزلام قط) أي: ما استقسما بالأزلام قط.
ثالثاً: لما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أكرم الناس؟ قال: أتقاهم، فقالوا: ليس عن هذا نسألك، قال: فيوسف نبي الله ابن نبي الله ابن خليل الله، قالوا: ليس عن هذا نسألك.
قال: فعن معادن العرب تسألون؟ خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا).
فهذه شهادة من نبينا الكريم بأن أتقى الناس يوسف ابن نبي الله ابن نبي الله ابن نبي الله، الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم كما ثبت ذلك أيضاً في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وهكذا تكون مدرسة الأنبياء جميعاً مدرسة واحدة.
رابعاً: أمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه وأمته من بعدهم بقتل الوزغ كما في صحيح البخاري أنه قال: (إنه كان ينفخ على إبراهيم عليه السلام) أي: أنه كان ينفخ عليه حين ألقي في النار؛ لتزداد النار عليه إيقاداً.
وقد روى الإمام أحمد وابن ماجة: (أن إبراهيم لما ألقي في النار لم يكن في الأرض دابة إلا أطفأت عنه إلا الوزغ فإنها كانت تنفخ عليه، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتلها).
فتأملوا هذا الحكم الشرعي: مشروعية قتل الوزغ، وتأملوا العلة؛ لأنه كان ينفخ على إبراهيم، فأي آصرة هذه التي تجمع بين أنبياء الله جميعاً عليهم أفضل الصلاة والتسليم؟! وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال عن موسى: (نحن أحق بموسى منكم).
خامساً: رسول الله صلى الله عليه وسلم يربط بين المسجد الحرام والمسجد الأقصى، فعن أبي ذر رضي الله عنه قال: (قلت: يا رسول الله! أي مسجد وضع في الأرض أول؟ قال: المسجد الحرام، قال: قلت: ثم أي؟ قال: المسجد الأقصى، فقلت: كم كان بينهما؟ قال: أربعون سنة، ثم أينما أدركتك الصلاة بعدُ فصله، فإن الفضل فيه).
رواه البخاري.
وعلى هذا فبناء سليمان عليه السلام لبيت المقدس إنما هو تجديد لمسجدٍ بُني قبله، وليس كبناء إبراهيم عليه الصلاة والسلام للكعبة.
وهكذا تتفق مدرسة الأنبياء، فهي مدرسة عقيدة واحدة تتبعها شريعة يأتي بها كل نبي، فكل شريعة أتى بها نبي فهي تابعة لعقيدته، حتى ختمت الشرائع بشريعة محمد صلى الله عليه وسلم، فصار لا يقبل من أي أحد شريعة إلا الشريعة التي جاء بها محمد عليه الصلاة والسلام.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل الكريم لي ولكم من كل ذنب، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.