خامساً: والإيمان بالقضاء والقدر يقضي على داء من أخطر الأدواء في المجتمعات، ألا وهو داء الحسد الذي هو داء عضال يأكل صاحبه ويولد الضغائن بين الناس، لكن المؤمن بالقضاء والقدر يعلم أن ما يراه على الآخرين وحرمه هو من جاه أو مال أو غير ذلك إنما هو بقضاء الله وقدره، فهو ابتلاء لهم، كما أن حرمانه ابتلاء له {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ}[الأنبياء:٣٥].
وإذا كان كذلك فيسلم الأمر لله، فهو الذي يمن على عباده بما يشاء، وهو سبحانه وتعالى الذي أعطى هذا ومنع هذا بقضاء وقدر، وكل ذلك امتحان وتسليم، فلماذا تحسد الناس؟ ارض بما قسم الله لك تكن أغنى الناس، هذه هي القاعدة، ومن ثم فإيمان الإنسان بقضاء الله وقدره يجعله ينظر إلى ما يجري في الكون وإلى ما يجري على الخلق وإلى تفاوت أحوالهم وأرزاقهم ومراتبهم الدنيوية ينظر إلى ذلك نظرة إيمانية قدرية ربانية تجعله يسلم الأمر لربه سبحانه وتعالى ويعلم أنه تكييف.
أما إذا اختل هذا عنده صار مسكيناً قلبه يتحسر، ينظر إلى هذا الرجل الغني فيتحسر حسداً له يود لو تلف ماله هذه اللحظة، وتحسره هذا كما قال الشاعر: اصبر على كيد الحسود فإن صبرك قاتله فالنار تأكل بعضها إن لم تجد ما تأكله تحسر الحسود لا يضر به إلا نفسه؛ لأن ذلك الذي أعطي هذا المال لن يزول عنه بحسده، ولأنك أيضاً لن تبلغ درجته، ولن يأتيك هذا المال بحسدك، فما الفائدة؟ لا فائدة.
إذاً الإيمان بالقضاء والقدر يقضي على هذا الداء العضال.