[موقف النبي صلى الله عليه وسلم من يهود بني قريظة]
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:١٠٢].
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء:١].
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب:٧٠ - ٧١].
أما بعد: يستمر الحديث عن موقف النبي صلى الله عليه وسلم من اليهود في المدينة النبوية، ومن يهود بني قريظة بالذات؛ فبعد لقاء بني قريظة بـ أبي لبابة الأنصاري رضي الله عنه انقطع أملهم في التخفيف من العقوبة التي يستحقونها، وكان المفترض أن يدفعهم هذا إلى الاستكثار والقتال حتى الموت، خاصة وأن وضعهم في حصونهم أفضل بكثير من وضع المسلمين، فاليهود لم يخرجوا إلى معركة، وحصونهم تؤويهم، وفيها الغذاء الكافي لشهور طويلة، وفيها آبار المياه، وهي أيضاً قد آوتهم وأكنتهم من البرد.
وعلى العكس من ذلك فالمسلمون خرجوا لتوهم من معركة هي من أصعب وأشد ما مر بهم؛ حيث كانوا في معركة الخندق يواصلون الليل والنهار في الحراسة والمرابطة في وجه أعدائهم المتحزبين الذين كانوا يعدون بالآلاف، إضافة إلى أن المسلمين كانوا في حالة مجاعة شديدة، والجو أيضاً خارج الحصون في غاية البرودة، ومن ثمَّ كانوا يرابطون حولها في العراء، فاجتمع عليهم الجوع والبرد.
ومع هذا الفرق الواضح بين وضع الجيشين، إلا أن اليهود انهارت أعصابهم، وتحطمت معنوياتهم، وقذف الله في قلوبهم الرعب، حتى صاروا وهم على تلك الحالة من القوة والمنعة والتحصين ووفرة السلاح والعدد والعتاد والغذاء والمال، يفكرون في كل شيء إلا استعمال السلاح للدفاع عن حصونهم، فهل يعي المسلمون هذه الحقيقة في صراعهم مع اليهود؟ بل هل يعي المسلمون غيرها من الحقائق عن اليهود؟ فعندهم حقد أسود على الإسلام والمسلمين قد امتلأت به قلوبهم عداوة وبغضاء تستخدم فيها شتى الوسائل لحرب كل مسلم في أي مكان، وعندهم نقض للعهود والمواثيق مهما كانت صيغتها ومع من كان متى ما وجدوا الفرصة سانحة، وهناك تفرق واختلاف فيما بينهم، كما قال تعالى: {بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى} [الحشر:١٤]، وهناك رعب وخوف ملازم لهم، كما قال تعالى: {لا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ} [الحشر:١٤]، وعندهم جبن وخور إذا ما قاتلوا المؤمنين الصادقين.
أيها الإخوة! وحتى لا يطول الحصار وحتى لا يستمر اليهود في المماطلة ذهب علي بن أبي طالب حامل اللواء ومعه الزبير بن العوام رضي الله عنهما، فصاح وقال: (والله لأذوقن ما ذاق حمزة، ولأفتحن حصنهم)، ثم تحرك معه بقية الجيش لهجوم كاسح على يهود في حصونهم، فلما رأوا كتائب الجيش الإسلامي الصادق تتحرك، وأيقنوا أن الهجوم على حصونهم لا مفر منه أراد اليهود إيقاف الهجوم، وأعلنوا الاستسلام والنزول على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم دونما قيد أو شرط.
وقد أوقف المسلمون الهجوم، وسارع اليهود إلى فتح الحصون بعد أن ألقوا سلاحهم، وأخذوا في مغادرة حصونهم مستسلمين رجالاً ونساءً وأطفالاً، واستلم المسلمون هؤلاء اليهود؛ أما الرجال فقد وضعت القيود في أيديهم، ثم وضعوا في حبس خاص بهم، وأما النساء والذراري فقد عزلوا عن الرجال، ووضعوا في دار الضيافة في المدينة النبوية، ووكل بهم عبد الله بن سلام، وكان عدد الرجال ما بين أربعمائة إلى سبعمائة، وقيل: هم ثمانمائة، أما النساء والذرية فكانوا قرابة الألف، ووقف الجميع ينتظرون كيف سيتم الحكم في هؤلاء اليهود الخائنين كيف سيتم الحكم.