[حقيقة التوكل ومعناه عند السلف]
التوكل على الله معناه باختصار: أن يعتمد العبد على الله وحده في جميع أمور فيما يرغب فيه من الحاجات، وفيما يحذره مما يخافه، وفيما يفعله تقرباً إلى الله سبحانه وتعالى، فنعتمد على الله سبحانه وتعالى في هذه الأمور كلها مع فعل الأسباب التي أذن الله سبحانه وتعالى بها، فمثلاً: في الصلاة يتوكل على الله في أن يعينه على القيام بهذه الصلوات الخمس بأركانها وشروطها وأوقاتها، وهو مع ذلك يفعل السبب، فلا يجلس في بيته ويقول: توكلت على الله في الصلاة وإنما يذهب ليتوضأ، ويذهب ليبحث عن الجماعة ليصلي معهم، ويبحث عما يوقظه لصلاة الفجر، فيفعل الأسباب ويتوكل على الله سبحانه وتعالى في أموره كلها، ومن ثم فلا بد في باب التوكل على الله سبحانه وتعالى من أمرين، ولا بد أن يجتمع هذان الأمران: أحدهما: الاعتماد على الله اعتماداً حقيقياً خالصاً، فتعتمد على الله وحده في أمورك كلها.
الأمر الثاني: أن تفعل الأسباب التي أذن الله سبحانه وتعالى بها.
ومن اعتمد على أمر واحد من هذين دون الآخر فقد وقع إما في الانحراف وإما في نقص العقل، فلو أن إنساناً توكل على الله دون أن يفعل سبباً لقيل: هذا ناقص العقل.
لأنه لا يمكن أن يتم ما يريده الإنسان إلا بفعل الأسباب التي أمر الله سبحانه وتعالى بها.
وكذلك -أيضاً- لو أن إنساناً اعتمد على الأسباب وحدها دون أن يتوكل على الله وحده لربما كان ممن دخل في الشرك والعياذ بالله؛ لأنه اعتمد على الأسباب وحدها، والتوكل على الله سبحانه وتعالى فسره بعض العلماء بعدة تفاسير تدل على بعض معانيه: فالإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى يقول: التوكل عمل القلب.
فعمل القلب هو التوكل، ولا شك أنه من أعظم أعمال القلوب، وبعض العلماء فسر التوكل على الله بالرضا، أن يرضى الإنسان بأمر الله سبحانه وتعالى ويسلم لله تبارك وتعالى أموره كلها، وإذا سلم أموره كلها اعتمد على الله سبحانه وتعالى سواء جاءت الأسباب بما يحبه أو بما لا يحبه، فيرضى بما قدر الله سبحانه وتعالى له، ولذلك سئل يحيى بن معاذ فقيل له: متى يكون الرجل متوكلاً؟ فقال: إذا رضي بالله وكيلاً.
وبعضهم قال: إن التوكل هو التعلق بالله في كل حال.
وهذه مسألة مهمة، فيتعلق بربه تبارك وتعالى في كل أحواله، إن جاء هـ المال والشرف لا يقطعه ذلك عن التوكل على الله.
إن ابتلي بالصبر والمرض لا يقطعه ذلك عن التوكل على الله، وهكذا في أحواله وأموره كلها، حتى إن بعضهم قال: إن التوكل معناه: أن يستوي عندك الإقلال والإكثار.
أن يستوي عندك الغنى والفقر، وكيف يستويان؟ يستويان حينما تعلم أن الله هو المدبر الرازق، وحينما تعلم أن الله سبحانه وتعالى هو الذي بيده الأمر كله، وهو الله سبحانه وتعالى المتصرف بعباده كما يشاء، فإذا ما صرت غنياً أو فقيراً لا تتغير أحوالك ومعاملتك لربك تبارك وتعالى.