الأمر الثالث: من أمور مصادر تلقي العقيدة الإجماع، ومسألة الإجماع معناها: أن ما أجمع عليه المسلمون في عصر من العصور فلا يجوز لأحد خلافه أبداً، وقد يقول قائل: وهل المسائل التي أجمع عليها المسلمون كثيرة؟ نقول: نعم، المسائل التي أجمع عليها المسلمون مسائل واضحة ومحددة، وقد ذكرها العلماء رحمهم الله تعالى، فما أجمع عليه العلماء فلا يجوز لأحد خلافه مهما كان؛ لأن إجماع هؤلاء العلماء إنما هو إجماع مبني على الكتاب والسنة، أي: إجماع مبني على دليل فلا يجوز لأحد أن يخالفه بعد حدوث ذلك الإجماع، وبعض أهل الكلام حصروا الإجماع في مسائل الفروع، أما مسائل الأصول فيقولون: إن الإجماع لا يدخلها، وسبب ذلك أنهم يرون أن أدلة العقول يمكن أن تدخل في باب العقائد، ومادام يمكن أن تدخل فالإجماع غير وارد هنا، وهذه قضية من الخطأ بمكان؛ لأن الإجماع على أي أمر كان صواباً سواء من الأمور العقدية أو من أمور الشرع هو إجماع، ولا يجوز لأحد خلافه أبداً، وهذه المسألة -وهي مسألة الإجماع- من المسائل التي تحسم تلك النظرية التي تقول: إننا يجب أن نرجع إلى الكتاب والسنة دون أن نرجع إلى ما قاله العلماء، فماذا سيفعل هؤلاء بالإجماع؟ ما أجمع عليه السلف رحمهم الله تعالى هل سيقولون: نتخلى عنه، وننقض ذلك الإجماع، ونأتي بأفهام وآراء جديدة؟! تلك قضية واحدة فقط من القضايا الخطيرة التي تترتب على ذلك الرأي الخطير.