وهنا تأتي عندنا قضية، وهي: ما هي مهمة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام؟ ولماذا كانت حاجة البشرية ماسةً إلى الأنبياء عليهم الصلاة والسلام؟ أظن أن الجواب وضح، ومن ثم فإنني يمكن أن أختصره في أمرين: أحدهما: تصحيح المسار، فكلما انحرفت الأمة عن منهاج ربها سبحانه وتعالى كان من رحمته تعالى أن يرسل إليهم رسولاً يصحح لهم هذا المسار، حتى تكون الأمة سائرة على منهاج واحد.
الأمر الثاني: هو تربية هذه الأمة، بحيث تكون حياتها على منهاج حق في عبادة الله وحده لا شريك له، سواء أكان هذا عبادة محضة، أم كان في قضايا من قضايا الحياة المختلفة سياسيةً أو اقتصاديةً أو اجتماعيةً أو غير ذلك، ومن ثم فإن البشرية لا تستطيع أن تستغني عن منهاج الأنبياء؛ لأن التعرف على الله وعلى كيفية عبوديته مما لا يدخل تحت قدرة البشر، ولهذا لما وجدت فئات من الناس تكبرت على الأنبياء ولم تسمع لكلامهم، وأرادت أن تتخذ لها منهاجاً خاصاً بها تصل به إلى الحقائق الكونية حقائق نشأة هذا الوجود، وحقائق وجود الله سبحانه وتعالى وعلاقته بخلقه إلى آخر القضايا العقدية وغير العقدية، هذه الفئة لما أرادت أن تنهج هذا النهج بعيداً عن منهاج الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ضلت وانحرفت، وأصابت أصحابها ومن سار على منهاجهم بالحيرة والاضطراب طول حياتهم، وهذا هو المنهج الفلسفي الذي أدى بأصحابه إلى ما تعرف من مناهج الفلاسفة.
إذاً عقول البشر ومناهج البشر مهما بلغت لا يمكن أن تستغني عن المنهاج الذي جاء به أنبياء الله سبحانه وتعالى، ومن ثم فإن الله سبحانه وتعالى هو الذي امتن على عباده بإرسال الأنبياء، وهو الذي اختارهم، أي أنه لا اختيار للعباد في الرسل والرسالات، وإنما ربنا سبحانه وتعالى هو الذي أرسل، وهو الذي أنزل مع هؤلاء الكتب والشرائع ليكون سبباً في قيام الحجة على عباد الله تبارك وتعالى، ومن ثم يتبين لنا أن النبوة والأنبياء عليهم الصلاة والسلام هم ضرورة بالنسبة للبشرية أشد من ضرورتهم إلى الطعام والشراب وما سوى ذلك.